responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 653
فصيروا مثل كعصف مأكول وَكَقَوْلِهِ:
يَا عَاذِلِي دَعْنِي مِنْ عَذْلِكَا ... مِثْلِي لَا يَقْبَلُ مِنْ مِثْلِكَا
وَقِيلَ: لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ. وَالْمِثْلِيَّةُ هُنَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالِاعْتِقَادِ، أَيْ فَإِنِ اعْتَقَدُوا مِثْلَ اعْتِقَادِكُمْ، أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْكِتَابِ، أَيْ فَإِنْ آمَنُوا بِكِتَابٍ مِثْلِ الْكِتَابِ الَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ. وَالْمَعْنَى: فَإِنْ آمَنُوا بِكِتَابِكُمُ الْمُمَاثِلِ لِكِتَابِهِمْ، أَيْ فَإِنْ آمَنُوا بِالْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ مُصَدِّقٌ لِمَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، لَا تَكُونُ الْبَاءُ زَائِدَةً، بَلْ هِيَ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ: آمَنْتُ بِالْكِتَابِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هَذَا مِنْ مَجَازِ الْكَلَامِ، يَقُولُ: هَذَا أَمْرٌ لَا يَفْعَلُهُ مِثْلُكَ، أَيْ لَا تَفْعَلُهُ أَنْتَ. وَالْمَعْنَى:
فَإِنْ آمَنُوا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ، وهذا يؤول إِلَى إِلْغَاءِ مِثْلَ، وَزِيَادَتِهَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ مِنْ بَابِ التَّبْكِيتِ، لِأَنَّ دِينَ الْحَقِّ وَاحِدٌ، لَا مِثْلَ لَهُ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [1] ، فَلَا يُوجَدُ إِذًا دِينٌ آخَرُ يُمَاثِلُ دِينَ الْإِسْلَامِ فِي كَوْنِهِ حَقًّا، حَتَّى إِنْ آمَنُوا بِذَلِكَ الدِّينِ الْمُمَاثِلِ لَهُ، كَانُوا مُهْتَدِينَ، فَقِيلَ: فَإِنْ آمَنُوا بِكَلِمَةِ الشَّكِّ، عَلَى سَبِيلِ الْعَرْضِ، وَالتَّقْدِيرِ: أَيْ فَإِنْ حَصَّلُوا دَيْنًا آخَرَ مِثْلَ دِينِكُمْ، مُسَاوِيًا لَهُ فِي الصِّحَّةِ وَالسَّدَادِ.
فَقَدِ اهْتَدَوْا: وَفِيهِ أَنَّ دِينَهُمُ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، وَكُلَّ دِينٍ سِوَاهُ مُغَايِرٌ لَهُ غَيْرُ مُمَاثِلٍ، لِأَنَّهُ حَقٌّ وَهُدًى، وَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ وَضَلَالٌ، وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُكَ لِلرَّجُلِ الَّذِي تُشِيرُ عَلَيْهِ: هَذَا هُوَ الرَّأْيُ الصَّوَابُ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ رَأْيٌ أَصْوَبُ مِنْهُ، فَاعْمَلْ بِهِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنْ لَا أَصْوَبَ مِنْ رَأْيِكَ، وَلَكِنَّكَ تُرِيدُ تَبْكِيتَ صَاحِبِكَ وَتَوْقِيفَهُ عَلَى أَنَّ مَا رَأَيْتَ لَا رَأْيَ وَرَاءَهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ، وَهُوَ حَسَنٌ. وَجَوَابُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ: فَقَدِ اهْتَدَوْا، وَلَيْسَ الْجَوَابُ مَحْذُوفًا، كَهُوَ فِي قَوْلِهِ:
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ [2] لِمَعْنَى تَكْذِيبِ الرُّسُلِ قَطْعًا، وَاسْتِقْبَالِ الْهِدَايَةِ هُنَا، لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ، وَلَمْ تَكُنْ وَاقِعَةً قَبْلُ.
وَإِنْ تَوَلَّوْا: أَيْ إِنْ أَعْرَضُوا عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِيمَانِ. فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ:
أَكَّدَ الْجُمْلَةَ الْوَاقِعَةَ شَرْطًا بِإِنْ، وَتَأَكَّدَ مَعْنَى الْخَبَرِ بِحَيْثُ صَارَ ظَرْفًا لَهُمْ، وَهُمْ مَظْرُوفُونَ لَهُ. فَالشِّقَاقُ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِمْ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِمْ، وَمُحِيطٌ بِهِمْ إِحَاطَةَ الْبَيْتِ بمن فيه. وهذه

[1] سورة آل عمران: 3/ 85.
[2] سورة فاطر: 35/ 4.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 653
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست