responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 637
عَلَى الِابْتِدَاءِ، فَمِنْ كَلَامِ يَعْقُوبَ. وَإِذَا جَعَلْنَاهُ مِنْ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ، فَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ هُوَ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَعْنَى الْقَوْلِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِبَنِيهِ يَا بَنِيَّ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
رَجُلَانِ مِنْ ضَبَّةَ أخبرانا ... إنا رَأَيْنَا رِجُلًا عُرْيَانًا
بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ، أَوْ معمولا لا خبرانا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ، وَفِي النِّدَاءِ لِمَنْ بِحَضْرَةِ الْمُنَادِي. وَكَوْنُ النِّدَاءِ بِلَفْظِ الْبَنِينَ مُضَافَيْنِ إِلَيْهِ تَلَطُّفٌ غَرِيبٌ وَتَرْجِئَةٌ لِلْقَبُولِ وَتَحْرِيكٌ وَهَزٌّ، لِمَا يُلْقَى إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِ الْمُوَافَاةِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَتَلَطَّفَ فِي تَحْصِيلِهِ، وَلِذَلِكَ صَدَّرَ كَلَامَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ، وَمَا اصْطَفَاهُ اللَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْهُ الْعَاقِلُ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالضَّحَّاكُ: أَنْ يَا بَنِيَّ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ أَنْ هُنَا تَفْسِيرِيَّةً بِمَعْنَى أَيْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ انْسِبَاكُ مَصْدَرٍ مِنْهَا وَمِمَّا بَعْدَهَا. وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ مَعْنَى التَّفْسِيرِ، لأن جَعَلَهَا هُنَا زَائِدَةً، وَهُمُ الْكُوفِيُّونَ. إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ، أَيِ اسْتَخْلَصَهُ لَكُمْ وَتَخَيَّرَهُ لَكُمْ صَفْوَةَ الْأَدْيَانِ. وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الدِّينِ لِلْعَهْدِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ عَرَفُوهُ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ.
فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْأَحْوَالِ، أَيْ إِلَّا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْمَعْنَى: الثُّبُوتُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالنَّهْيِ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ عَنْ كَوْنِهِمْ عَلَى خِلَافِ الْإِسْلَامِ. إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ نَهْيٌ عَنِ الْمَوْتِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْأَمْرِ. مُتْ وَأَنْتَ شَهِيدٌ، لَا يَكُونُ أَمْرًا بِالْمَوْتِ، بَلْ أَمْرٌ بِالشَّهَادَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لِتَسْتَشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَذَكَرَ الْمَوْتِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْطِئَةِ لِلشَّهَادَةِ. وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الْكَلَامُ إِيجَازًا بَلِيغًا وَوَعْظًا وَتَذْكِيرًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَيَقَّنُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَدْرِي مَتَى يُفَاجِئُهُ. فَإِذَا أُمِرَ بِالْتِبَاسٍ بِحَالَةٍ لَا يَأْتِيهِ الْمَوْتُ إِلَّا عَلَيْهَا، كَانَ مُتَذَكِّرًا لِلْمَوْتِ دَائِمًا، إِذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِتِلْكَ الْحَالَةِ دَائِمًا. وَهَذَا عَلَى الْحَقِيقَةِ نَهْيٌ عَنْ تَعَاطِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ سَبَبًا لِلْمُوَافَاةِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ:
لَا أَرَيَنَّكَ هَاهُنَا، لَا يَنْهَى نَفْسَهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى عَلَى النَّهْيِ عَنْ حُضُورِهِ فِي هَذَا الْمَكَانِ، فَيَكُونُ يَرَاهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اذْهَبْ عَنْ هَذَا الْمَكَانِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْجُبَ إِدْرَاكَ الْآمِرِ عَنْهُ إِلَّا بِالذَّهَابِ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَأَتَى بِالْمَقْصُودِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْغَضَبِ وَالْكَرَاهَةِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْهَى إِلَّا عَنْ شَيْءٍ يَكْرَهُ وُقُوعَهُ.
وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى لَطَائِفَ، مِنْهَا: الْوَصِيَّةُ، وَلَا تَكُونُ إِلَّا عِنْدَ خَوْفِ

اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 637
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست