responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 630
لَا يَعْدِلَ عَنْ مِلَّتِهِ. وَهَاتَانِ الْجُمْلَتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ، أَمَّا الْأُولَى فَبِاللَّامِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَبِإِنَّ وَبِاللَّامِ.
وَلَمَّا كَانَ إِخْبَارًا عَنْ حَالَةٍ مُغَيَّبَةٍ فِي الْآخِرَةِ، احْتَاجَتْ إِلَى مَزِيدِ تَأْكِيدٍ، بِخِلَافِ حَالِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ أَرْبَابَ الْمَآلِ قَدْ عَلِمُوا اصْطِفَاءَ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا بِمَا شَاهَدُوهُ مِنْهُ وَنَقَلُوهُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَأَمْرٌ مُغَيَّبٌ عَنْهُمْ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِخْبَارِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مُبَالِغًا فِي التَّوْكِيدِ، وَفِي الْآخِرَةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، أَيْ وَإِنَّهُ لَصَالِحٌ فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَلَى إِضْمَارِ، أَعْنِي: فَهُوَ لِلتَّبْيِينِ، كَلَكَ بَعْدُ سُقْيًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالصَّالِحِينَ، لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ فِي صِلَةِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَلَا يَتَقَدَّمُ مَعْمُولُ الْوَصْفِ إِذْ ذَاكَ. وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ، إِذَا كَانَ الْمَعْمُولُ ظَرْفًا أَوْ جَارًّا وَمَجْرُورًا، قَالَ: لِأَنَّهُمَا يَتَّسِعُ فِيهِمَا مَا لَا يَتَّسِعُ فِي غَيْرِهِمَا. وَجَوَّزُوا أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ غَيْرَ مَوْصُولَةٍ، بَلْ مَعْرِفَةٍ، كَهِيَ فِي الرِّجْلِ، وَأَنْ يَتَعَلَّقَ الْمَجْرُورُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ إِذْ ذَاكَ. وَقِيلَ: فِي الْآخِرَةِ، أَيْ فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ، فَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَقِيلَ: الْآخِرَةُ هُنَا الْبَرْزَخُ، وَالصَّلَاحُ مَا يَتْبَعُهُ مِنَ الثَّنَاءِ الْحَسَنِ فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: الْآخِرَةُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمِنَ الصَّالِحِينَ، أَيِ الْأَنْبِيَاءِ. وَقِيلَ: مِنَ الَّذِينَ يَسْتَوْجِبُونَ صَالِحَ الْجَزَاءِ، قَالَ مَعْنَاهُ الْحَسَنُ. وَقِيلَ: الْوَارِدِينَ مَوَارِدَ قُدْسِهِ، وَالْحَالِّينِ مَوَاطِنَ أُنْسِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، التَّقْدِيرُ، وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا، وَفِي الْآخِرَةِ، وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ خَطَأٌ يُنَزَّهَ كِتَابُ اللَّهِ عَنْهُ.
إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ: هَذَا مِنَ الِالْتِفَاتِ، إِذْ لَوْ جَرَى عَلَى الْكَلَامِ السَّابِقِ، لَكَانَ: إِذْ قُلْنَا لَهُ أَسْلِمْ، وَعَكْسُهُ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْغَائِبِ إِلَى الْخِطَابِ قَوْلُهُ:
بَاتَتْ تَشَكَّى إِلَيَّ النَّفْسُ مُجْهِشَةً ... وَقَدْ حَمَلْتُكِ سَبْعًا بَعْدَ سَبْعِينَا
وَالْعَامِلُ فِي إِذْ: قَالَ أَسْلَمْتُ. وَقِيلَ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ، أَيِ اخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ بدلا من قَوْلِهِ: فِي الدُّنْيَا، وَأَبْعَدَ مَنْ جَعَلَ إِذْ قَالَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ قَوْلِهِ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ، وَجَعَلَ الْعَامِلَ فِي الْحَالِ اصْطَفَيْنَاهُ، وَقِيلَ: مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ اذْكُرْ.
وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْعَامِلَ اصْطَفَيْنَاهُ أَوِ اذْكُرِ الْمُقَدَّرَةُ، يَبْقَى قَوْلُهُ: قَالَ أَسْلَمْتُ، لَا يَنْتَظِمُ مَعَ مَا قَبْلَهُ، إِلَّا إِنْ قُدِّرَ، يُقَالُ: فَحُذِفَ حَرْفُ الْعَطْفِ، أَوْ جُعِلَ جَوَابًا لِكَلَامٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ مَا كَانَ جَوَابُهُ؟ قَالَ: أَسْلَمْتُ. وَهَلِ الْقَوْلُ هُنَا عَلَى بَابِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ وَطَلَبٍ؟ أَمْ هَذَا

اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 630
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست