responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 626
يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لرسولا. وَقِيلَ: فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْهُ، لِأَنَّهُ قَدْ وُصِفَ بِقَوْلِهِ مِنْهُمْ، وَوَصَفَ إِبْرَاهِيمُ الرَّسُولَ بِأَنَّهُ يَكُونُ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِ اللَّهِ، أَيْ يَقْرَؤُهَا، فَكَانَ كَذَلِكَ، وَأُوتِيَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ. وَقَبِلَ اللَّهُ دُعَاءَ إِبْرَاهِيمَ، فَأَتَى بِالْمَدْعُوِّ لَهُ عَلَى أَكْمَلِ الْأَوْصَافِ الَّتِي طَلَبَهَا إِبْرَاهِيمُ، وَالْآيَاتُ هُنَا آيَاتُ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: خَبَرُ مَنْ مَضَى، وَخَبَرُ مَنْ يَأْتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ الْفَضْلُ: مَعْنَاهُ يُبَيِّنُ لَهُمْ دِينَهُمْ.
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ: هُوَ الْقُرْآنُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُفَهِّمُهُمْ وَيُلْقِي إِلَيْهِمْ مَعَانِيَهُ. وَكَانَ تَرْتِيبُ التَّعْلِيمِ بَعْدَ التِّلَاوَةِ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَقْرَعُ السَّمْعَ هُوَ التِّلَاوَةُ وَالتَّلَفُّظُ بِالْقُرْآنِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تُتَعَلَّمُ مَعَانِيهِ وَيُتَدَبَّرُ مَدْلُولُهُ. وَأَسْنَدَ التَّعْلِيمَ لِلرَّسُولِ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُلْقِي الْكَلَامَ إِلَى الْمُتَعَلِّمِ، وَهُوَ الَّذِي يَفْهَمُهُ وَيَتَلَطَّفُ فِي إِيصَالِ الْمَعَانِي إِلَى فَهْمِهِ، وَيَتَسَبَّبُ فِي ذَلِكَ.
وَالتَّعْلِيمُ يَكُونُ بِمَعْنَى التَّفْهِيمِ وَحُصُولِ الْعِلْمِ لِلْمُتَعَلِّمِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى إِلْقَاءِ أَسْبَابِ الْعِلْمِ، وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ، وَلِذَلِكَ يَقْبَلُ النَّقِيضَيْنِ، تَقُولُ: عَلَّمْتُهُ فَتَعَلَّمَ، وَعَلَّمَتُهُ فَمَا تَعَلَّمَ، وَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ تَعَلَّمَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ: يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ، وَيُبَلِّغُهُمْ مَا يُوحِي إِلَيْهِ مِنْ دَلَائِلِ وَحْدَانِيَّتِكَ وَصِدْقِ أَنْبِيَائِكَ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ الْقُرْآنَ، وَالْحِكْمَةَ: الشَّرِيعَةَ وَبَيَانَ الْأَحْكَامِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْحِكْمَةُ: السُّنَّةُ، وَبَيَانُ النَّبِيِّ:
الشَّرَائِعَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو رَزِينٍ: الْحِكْمَةُ، الْفِقْهُ فِي الدِّينِ، وَالْفَهْمُ الَّذِي هُوَ سَجِيَّةٌ وَنُورٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحِكْمَةُ: فَهْمُ الْقُرْآنِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ بِهِ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ حَكِيمًا حَتَّى يَجْمَعَهُمَا. وَقِيلَ: الْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ. وَقِيلَ: مَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كُلُّ كَلِمَةِ وَعَظَتْكَ، أَوْ دَعَتْكَ إِلَى مَكْرُمَةٍ، أَوْ نَهَتْكَ عَنْ قَبِيحٍ فَهِيَ حِكْمَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحِكْمَةُ هُنَا الْكِتَابُ، وَكَرَّرَهَا تَوْكِيدًا. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ: كُلُّ صَوَابٍ مِنَ الْقَوْلِ وَرَّثَ فِعْلًا صَحِيحًا فَهُوَ حِكْمَةٌ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ:
الْحِكْمَةُ جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ، يُرْسِلُهَا اللَّهُ إِلَى قُلُوبِ الْعَارِفِينَ حَتَّى يُرَوِّحَ عَنْهَا وَهَجَ الدُّنْيَا.
وَقِيلَ: هِيَ وَضْعُ الْأَشْيَاءِ مَوَاضِعَهَا. وَقِيلَ: كُلُّ قَوْلٍ وَجَبَ فِعْلُهُ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي الْحِكْمَةِ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَيَجْمَعُ هَذِهِ الْأَقْوَالَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا، الْقُرْآنُ وَالْآخَرُ السُّنَّةُ، لِأَنَّهَا الْمُبَيِّنَةُ لِمَا انْبَهَمَ مِنَ الْكِتَابِ، وَالْمُظْهِرَةُ لِوُجُوهِ الْأَحْكَامِ. وَيَكُونُ الْمَعْنَى، وَاللَّهُ أعلم، في قوله: يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ، أَيْ يُفْصِحُ لَهُمْ عَنْ أَلْفَاظِهِ وَيُوقِفُهُمْ بِقِرَاءَتِهِ عَلَى كَيْفِيَّةِ تِلَاوَتِهِ،
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيٍّ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ»
، وَذَلِكَ لِأَنْ يَتَعَلَّمُ أُبَيٌّ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفِيَّةَ أَدَاءِ الْقُرْآنِ

اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 626
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست