responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 623
قَلْبِيَّةٌ، لَا دَلِيلَ فِيهِ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهَا بَصَرِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى عَلَى أَبْصِرِينِي جَوَادًا. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: مَاتَ هَزْلًا؟ فَإِنَّ هَذَا هُوَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْبَصَرِ، فَيَحْتَاجُ فِي إِثْبَاتِ رَأَى الْقَلْبِيَّةِ مُتَعَدِّيَةٍ لِوَاحِدٍ إِلَى سَمَاعٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ حَاشِدُ لُغَةٍ، وَحَافِظُ نَوَادِرَ: حِينَ عَدَّى مَا يَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ، فَقَالَ فِي التَّسْهِيلِ، وَرَأَى لَا لِإِبْصَارٍ، وَلَا رَأْيٍ، وَلَا ضَرْبٍ، فَلَوْ كَانَتْ رَأَى بِمَعْنَى عَرَفَ، لَنَفَى ذَلِكَ، كَمَا نَفَى عَنْ رَأَى الْمُتَعَدِّيَةِ إِلَى اثْنَيْنِ، كَوْنَهَا لَا تَكُونُ لِأَبْصَارِ، ولا رأي، ولا ضرب. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْمُرَادُ هُنَا بِالرُّؤْيَةِ رُؤْيَةُ الْبَصَرِ وَالْقَلْبِ مَعًا، لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِأُمُورٍ بَعْضُهَا يُعْلَمُ وَلَا يُرَى، وَبَعْضُهَا لَا يَتِمُّ الْغَرَضُ مِنْهُ إِلَّا بِالرُّؤْيَةِ، فَوَجَبَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، أَوْ حَمْلُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَأَرْنَا، وَأَرْنِي خَمْسَةً بِإِسْكَانِ الرَّاءِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: الْإِسْكَانُ وَالِاخْتِلَاسُ. وَرُوِيَ عَنْهُ: الْإِشْبَاعُ، كَالْبَاقِينَ، إِلَّا أَنَّ أَبَا عَامِرٍ، وَأَبَا بَكْرٍ أَسْكَنَا فِي أَرْنَا اللَّذَيْنِ. فَالْإِشْبَاعُ هُوَ الْأَصْلُ، وَالِاخْتِلَاسُ حَسَنٌ مَشْهُورٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَالْإِسْكَانُ تَشْبِيهٌ لِلْمُنْفَصِلِ بالمتصل، كما قالوا: فخذوا سهله، كَوْنُ الْحَرَكَةِ فِيهِ لَيْسَتْ لِإِعْرَابٍ. وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ الْإِسْكَانَ مِنْ أَجْلِ أَنِ الْكَسْرَةَ تَدُلُّ عَلَى مَا حُذِفَ، فَيَقْبُحُ حَذْفُهَا، يَعْنِي أَنَّ الْأَصْلَ كَانَ أَرِءَ، فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلَى الرَّاءِ، وَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ، فَكَانَ فِي إِقْرَارِهَا دَلَالَةٌ عَلَى الْمَحْذُوفِ. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ هَذَا أَصْلٌ مَرْفُوضٌ، وَصَارَتِ الْحَرَكَةُ كَأَنَّهَا حَرَكَةٌ لِلرَّاءِ. وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: مَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. أَلَا تَرَاهُمْ أَدْغَمُوا فِي لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي، أَيِ الْأَصْلُ لَكِنْ، ثُمَّ نَقَلُوا الْحَرَكَةَ وَحَذَفُوا، ثُمَّ أَدْغَمُوا؟ فَذَهَابُ الْحَرَكَةِ فِي أَرِنَا لَيْسَ بِدُونِ ذِهَابِهَا فِي الْإِدْغَامِ. وَأَيْضًا فَقَدْ سُمِعَ الْإِسْكَانُ فِي هَذَا الْحَرْفِ نَصًّا عَنِ الْعَرَبِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَرْنَا أَدَاوَةَ عَبْدِ اللَّهِ نَمْلَؤُهَا ... مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ ظَمِئُوا
وَأَيْضًا فَهِيَ قِرَاءَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ، فَإِنْكَارُهَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي كَيْفِيَّةِ تَأْدِيَةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ هَذِهِ الْمَنَاسِكِ، أَقْوَالًا سَبْعَةً مُضْطَرِبَةَ النَّقْلِ. وَذَكَرُوا أَيْضًا مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ مِنْهُمْ. وَذَكَرُوا أَنَّهُ مَاتَ بِهَا نُوحٌ، وَهُودٌ، وَصَالِحٌ، وَشُعَيْبٌ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ تَتَعَرَّضِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَتَرَكْنَا نَقْلَ ذَلِكَ عَلَى عَادَتِنَا.
وَتُبْ عَلَيْنا: قَالُوا التَّوْبَةُ مِنْ حَيْثُ الشَّرِيعَةِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ التَّائِبِينَ، فَتَوْبَةُ سَائِرِ

اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 623
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست