responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 606
حَقِّ آلِ مُحَمَّدٍ، لَا مَنْ أَرْخَى عَلَيْهِ سُتُورَهُ وَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ. فَقَالَ لَهُ الْبَاقِرُ: يَا زَيْدُ! إِنَّ مَثَلَ الْقَائِمِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ قَبْلَ قِيَامِ مَهْدِيِّهِمْ، مَثَلُ فَرْخٍ نَهَضَ مِنْ عُشِّهِ مِنْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ جَنَاحَاهُ. فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَقَطَ، فَأَخَذَهُ الصِّبْيَانُ يَتَلَاعَبُونَ بِهِ. فَاتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ أَنْ لَا تَكُونَ الْمَصْلُوبَ غَدًا بِالْكُنَاسَةِ.
فَلَمْ يَلْتَفِتْ زَيْدٌ لِكَلَامِ الْبَاقِرِ، وَخَرَجَ عَلَى هِشَامٍ، فَظَفَرَ بِهِ وَصَلَبَهُ عَلَى كُنَاسَةِ الْكُوفَةِ، وَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ، وَكَانَ كَمَا حَذَّرَهُ الْبَاقِرُ. وَأَمَّا الدَّوَانِيقِيُّ، فَهُوَ الْمَنْصُورُ أَخُو السَّفَّاحِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ قِيلَ لِبُخْلِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَخِيلًا، وَذَكَرَ مِنْ عَطَائِهِ وَكَرْمِهِ أَخْبَارًا كَثِيرَةً. وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ، اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الزَّمَخْشَرِيُّ، فَهُمَا ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، كَانَا قَدْ تَغَيَّبَا أَيَّامَ السَّفَّاحِ، وَأَوَّلَ أَيَّامِ الْمَنْصُورِ، ثُمَّ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَدَخَلَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَخَطَبَ حَتَّى حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَنَزَلَ وَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَبُويِعَ بِالْمَدِينَةِ طَوْعًا، وَاسْتَعْمَلَ الْعُمَّالَ، وَغَلَبَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَجَبَى الْأَمْوَالَ. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ أَخُوهُ قَدْ صَارَ إِلَى الْبَصْرَةِ يَدْعُو إِلَيْهِ. وَآخِرُ أَمْرِهِمَا أَنَّ الْمَنْصُورَ وَجْهَ إِلَيْهِمَا الْعَسَاكِرَ وَقُتِلَا.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ هَنَا أَحْكَامَ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى، وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعُهَا أُصُولَ الدِّينِ، فَهُنَاكَ ذِكْرُهَا، لَكِنِّي لَا أُخَلِّي كِتَابِي عَنْ شَيْءٍ مُلَخَّصٍ فِيهَا دُونَ الِاسْتِدْلَالِ. فَنَقُولُ:
الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، أَنَّ نَصْبَ الْإِمَامِ فَرْضٌ، خِلَافًا لِفِرْقَةٍ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَهُمْ أَصْحَابُ نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ. زَعَمُوا أَنَّ الْإِمَامَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ، وَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ إِقَامَةُ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى إِمَامٍ، وَلِفِرْقَةٍ مِنَ الْإِبَاضِيَّةِ زَعَمَتْ أَنَّ ذَلِكَ تَطَوُّعٌ.
وَاسْتِنَادُ فَرْضِيَّةِ نَصْبِ الْإِمَامِ لِلشَّرْعِ لَا لِلْعَقْلِ، خِلَافًا لِلرَّافِضَةِ، إِذْ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ عَقْلًا، وَيَكُونُ الْإِمَامُ مِنْ صَمِيمِ قُرَيْشٍ، خِلَافًا لِفِرْقَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، إِذْ قَالُوا: إِذَا وُجِدَ مَنْ يَصْلُحُ لَهَا قُرَشِيٌّ وَنَبَطِيٌّ، وَجَبَ نَصْبُ النَّبَطِيِّ دُونَ الْقُرَشِيِّ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ بُطُونُ قُرَيْشٍ كُلُّهَا، خِلَافًا لِمَنْ خَصَّ ذَلِكَ بِنَسْلِ عَلِيٍّ، أَوِ الْعَبَّاسِ، إِمَّا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَإِمَّا بِاجْتِهَادٍ، وَيَكُونُ أَفَضْلَ الْقَوْمِ، فَلَا يَنْعَقِدُ لِلْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ، خِلَافًا لِأَبِي الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيِّ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَنْعَقِدُ لِلْمَفْضُولِ، إِذَا كَانَ بِصِفَةِ الْإِمَامَةِ، مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ، وَشُرُوطُهُ: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مُجْتَهِدًا فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، شُجَاعًا، وَالشَّجَاعَةُ فِي الْقَلْبِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ ضَبْطُ الْأَمْرِ وَحِفْظِ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَجُوزُ نَصْبُ سَاقِطِ الْعَدَالَةِ ابْتِدَاءً، فَإِنْ عُقِدَ لِشَخْصٍ كَامِلِ الشُّرُوطِ ثُمَّ طَرَأَ مِنْهُ فِسْقٌ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ إِذَا أَمِنَ النَّاسُ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ أَيْضًا، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبُ: لَا يَجُوزُ

اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 606
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست