responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 603
أَئِمَّةٌ، قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [1] . وَالْخُلَفَاءُ أَيْضًا أَئِمَّةٌ، وَكَذَلِكَ الْقُضَاةُ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَمَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ فِي الْبَاطِلِ. قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [2] . فَلَمَّا تَنَاوَلَ الِاسْمُ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ، وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ هُنَا عَلَى أَشْرَفِ الْمَرَاتِبِ وَأَعْلَاهَا، لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ نِعْمَةٍ، وَلَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنَ النُّبُوَّةِ.
قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَطَفَ عَلَى الْكَافِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَجَاعِلٌ بَعْضَ ذُرِّيَّتِي، كَمَا يُقَالُ لَكَ: سَأُكْرِمُكَ، فَتَقُولُ: وَزَيْدًا. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَا يَصِحِّ الْعَطْفُ عَلَى الْكَافِ، لِأَنَّهَا مَجْرُورَةٌ، فَالْعَطْفُ عَلَيْهَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِعَادَةِ الْجَارِّ، ولم يعد، ولأن مَنْ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْجَارِّ مُضَافًا إِلَيْهَا، لِأَنَّهَا حَرْفٌ، فَتَقْدِيرُهَا بِأَنَّهَا مُرَادِفَةٌ لِبَعْضٍ حَتَّى تُقَدِّرَ جَاعِلًا مُضَافًا إِلَيْهَا لَا يَصِحُّ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ تَقْدِيرُ الْعَطْفِ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى مَوْضِعِ الْكَافِ، لِأَنَّهُ نُصِبَ، فَيُجْعَلُ مَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يُعْطَفُ فِيهِ عَلَى الْمَوْضِعِ، عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، لِفَوَاتِ الْمُحَرِّزِ، وَلَيْسَ نَظِيرَ: سَأُكْرِمُكَ، فَتَقُولُ: وَزَيْدًا لِأَنَّ الْكَافَ هُنَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِي مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ، التَّقْدِيرُ: وَاجْعَلْ مِنْ ذُرِّيَّتِي إِمَامًا، لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا الِاخْتِصَاصَ، فَسَأَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِمَامًا. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: ذِرِّيَّتِي بِالْكَسْرِ فِي الذَّالِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِفَتْحِهَا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالضَّمِّ، وَذَكَرْنَا أَنَّهَا لُغَاتٌ فِيهَا، وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ اشْتُقَّتْ حِينَ تَكَلَّمْنَا عَلَى الْمُفْرَدَاتِ.
قالَ لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ: وَالضَّمِيرُ فِي قَالَ الثَّانِيَةِ ضَمِيرُ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي قَالَ هَذِهِ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. والعهد: الإمامة، قاله مُجَاهِدٌ: أَوِ النُّبُوَّةُ، قَالَهُ السُّدِّيُّ أَوِ الْأَمَانُ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَرُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ، وَاخْتَارَهُ الزَّجَّاجُ: أَوِ الثَّوَابُ قَالَهُ قَتَادَةُ أَيْضًا أَوِ الرَّحْمَةُ، قَالَهُ عَطَاءٌ أَوِ الدِّينُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ، أَوْ لَا عَهْدَ عَلَيْكَ لِظَالِمٍ أَنْ تُطِيعَهُ فِي ظُلْمِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوِ الْأَمْرُ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا [3] ، أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ [4] أَوْ إِدْخَالُهُ الْجَنَّةَ مِنْ قَوْلِهِ: كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً [5] ، أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ طَاعَتِي، قَالَهُ الضَّحَّاكُ أَيْضًا أَوِ الْمِيثَاقُ أَوِ الْأَمَانَةُ. وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ: أَنَّ الْعُهَدَ هِيَ الإمامة،

[1] سورة السجدة: 32/ 24.
[2] سورة الأنبياء: 21/ 73.
[3] سورة آل عمران: 3/ 183.
[4] سورة يس: 36/ 60.
[5] سورة البقرة: 2/ 80.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 603
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست