responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 591
لَا عَلَى الشَّرْطِ، إِذْ لَوْ بُنِيَ عَلَى الشَّرْطِ لَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: مَا لَكَ. وَالْأَهْوَاءُ: جَمْعُ هَوًى، وَكَانَ الْجَمْعُ دَلِيلًا عَلَى كَثْرَةِ اخْتِلَافِهِمْ، إِذْ لَوْ كَانُوا عَلَى حَقٍّ لَكَانَ طَرِيقًا وَاحِدًا، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [1] . وَأَضَافَ الْأَهْوَاءَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهَا بِدَعُهُمْ وَضَلَالَاتُهُمْ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَصْحَابُ الْبِدَعِ: أَرْبَابَ الْأَهْوَاءِ. بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ: أي من الدِّينِ وَجَعَلَهُ عِلْمًا، لِأَنَّهُ معلوم بالبراهين الصحيحة، قالوا: وَتَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أُمُورٍ مِنْهَا: أَنَّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ الشَّيْءَ، يَجُوزُ أَنْ يُخَاطَبَ بِالْوَعِيدِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الصَّارِفُ لَهُ ذَلِكَ الْوَعِيدَ، أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَعِيدُ أَحَدَ الصَّوَارِفِ، وَنَظِيرُهُ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ. وَمِنْهَا، أَنَّ قَوْلَهُ: بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوَعِيدُ إِلَّا بَعْدَ الْمَعْذِرَةِ أَوَّلًا، فَيَبْطُلُ بِذَلِكَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ. وَمِنْهَا: أَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى بَاطِلٌ، فَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ التَّقْلِيدِ. وَقَدْ فُسِّرَ الْعِلْمُ هُنَا بِالْقُرْآنِ، وَبِالْعِلْمِ بِضَلَالِ الْقَوْمِ، وَبِالْبَيَانِ بِأَنَّ دِينَ اللَّهِ هُوَ الْإِسْلَامُ، وَبِالتَّحَوُّلِ إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَفِي قَوْلِهِ:
مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ، قَطْعٌ لِأَطْمَاعِهِمْ أَنْ تَتِّبَعَ أهواؤهم، لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهُ وَلَا نَصِيرَ يَنْفَعُهُ إِذَا ارْتَكَبَ شَيْئًا كَانَ أَبْعَدَ فِي أَنْ لَا يَرْتَكِبَهُ، وَذَلِكَ إِيَاسٌ لَهُمْ فِي أَنْ يَتَّبِعَ أَهْوَاءَهُمْ أَحَدٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْوَلِيِّ وَالنَّصِيرِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ في أَهْلِ السَّفِينَةِ الَّذِينَ قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانُوا اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَبَشَةِ، وَثَمَانِيَةً مِنْ رُهْبَانِ الشَّامِ. وَقِيلَ: كَانَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، وَبَعْضُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَبَشَةِ، وَمِنَ الرُّومِ، وَثَمَانِيَةٌ مَلَّاحُونَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ أَقْبَلُوا مَعَ جَعْفَرٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُمْ مَنْ آمَنَ مِنَ الْيَهُودِ، كَابْنِ سَلَامٍ، وَابْنِ صُورِيَا، وَابْنِ يَامِينَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: فِي عُلَمَاءِ الْيَهُودِ وَأَحْبَارِ النَّصَارَى. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ. وَقِيلَ: الْمُؤْمِنُونَ. وَقِيلَ:
الصَّحَابَةُ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ. وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، يَتَنَزَّلُ الِاخْتِلَافُ فِي الْكِتَابِ، أَهُوَ التَّوْرَاةُ أَوِ الْإِنْجِيلُ؟ أَوْ هُمَا وَالْقُرْآنُ؟ أَوِ الْجِنْسُ؟ فَيَكُونُ يَعْنِي بِهِ الْمَكْتُوبَ، فَيَشْمَلُ الْكُتُبَ الْمُتَقَدِّمَةَ. يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ: أي يقرأونه وَيُرَتِّلُونَهُ بِإِعْرَابِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَتَّبِعُونَ أَحْكَامَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ وَيَكِلُونَ مُتَشَابِهَهُ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَ عُمَرُ: يَسْأَلُونَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَسْتَعِيذُونَ مِنْ عَذَابِهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا يُحَرِّفُونَهُ وَلَا يُغَيِّرُونَ مَا فِيهِ مِنْ نَعْتِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالَّذِينَ: مُبْتَدَأٌ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فِي مَنِ اهْتَدَى، صَحَّ أن يكون

[1] سورة النساء: 4/ 82.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 591
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست