responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 571
مِنْ أَمْلَلْتُ، لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ تُبْتَنَى عَلَى مَتْلُوٍّ وَمَسْمُوعٍ. وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِهِمْ طَرِيقٌ مُمَلٌّ، أَيْ قَدْ أَثَّرَ الْمَشْيُ فِيهِ. الْخُسْرَانُ وَالْخَسَارَةُ: هُوَ النَّقْصُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي التِّجَارَةِ، هَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي النَّقْصِ مُطْلَقًا، وَفِعْلُهُ مُتَعَدٍّ، كَمَا أَنَّ مُقَابِلَهُ مُتَعَدٍّ، وَهُوَ الرِّبْحُ. تَقُولُ: خَسِرَ دِرْهَمًا، كَمَا تَقُولُ: رَبِحَ دِرْهَمًا. وَقَالَ: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ: نَزَلَتْ فِي نَطُّوسَ بْنِ اسْبِيسْيَانُوسَ الرُّومِيِّ، الَّذِي خَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَلَمْ يَزَلْ خَرَابًا إِلَى أَنْ عُمِّرَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَقِيلَ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ: مَنَعُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَهُ عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ فِي النَّصَارَى، كَانُوا يَوَدُّونَ خَرَابَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَيَطْرَحُونَ بِهِ الْأَقْذَارَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ، فِي الرُّومِ الَّذِينَ أَعَانُوا بُخْتَ نَصَّرَ عَلَى تَخْرِيبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ: حِينَ قَتَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ أَنَّ عَهْدَ بُخْتَ نَصَّرَ كَانَ قَبْلَ مَوْلِدِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ. وَقِيلَ فِي بُخْتَ نَصَّرَ، قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَأَبُو مُسْلِمٍ: الْمُرَادُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ حِينَ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَعَلَى اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ يَجِيءُ الِاخْتِلَافُ فِي تَفْسِيرِ الْمَانِعِ وَالْمَسَاجِدِ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْعُمُومُ فِي كُلِّ مَانِعٍ وَفِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَالْعُمُومُ وَإِنْ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهِ خَاصًّا، فَالْعِبْرَةُ بِهِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.
وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا: أَنَّهُ جَرَى ذِكْرُ النَّصَارَى فِي قَوْلِهِ: وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ [1] ، وَجَرَى ذِكْرُ الْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِ: كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ [2] ، وَفِي أَيٍّ نَزَلَتْ مِنْهُمْ كَانَ ذَلِكَ مُنَاسِبًا لِذِكْرِهَا تَلِي مَا قَبْلَهَا.
وَمَنْ: اسْتِفْهَامٌ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ. وَأَظْلَمُ: أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، وَهُوَ خَبَرٌ عَنْ مَنْ. وَلَا يُرَادُ بِالِاسْتِفْهَامِ هُنَا حَقِيقَتُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى النَّفْيِ، كَمَا قَالَ: فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ [3] ؟ أَيْ مَا يُهْلَكُ. وَمَعْنَى هَذَا: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ. وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا اللَّفْظُ فِي الْقُرْآنِ، وَهَذَا أَوَّلُ مَوَارِدِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً [4] .

[1] سورة البقرة: 2/ 113.
[2] سورة البقرة: 2/ 113.
[3] سورة الأحقاف: 46/ 35.
[4] سورة الأنعام: 6/ 21 و 93. [.....]
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 571
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست