responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 564
نَظِيرُ مَا يَقُولُهُ النَّحْوِيُّ: الْفَاعِلُ زَيْدٌ مِنْ قَوْلِكَ، قَامَ زَيْدٌ، وَآخَرُ يَقُولُ: جَعْفَرٌ مِنْ خَرَجَ جَعْفَرٌ، وَآخَرُ يَقُولُ: عَمْرٌو مِنِ انْطَلَقَ عَمْرٌو، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُظَنُّ بِالسَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، فِيمَا جَاءَ عَنْهُمْ مِنْ هَذَا النَّوْعِ.
وَهُوَ مُحْسِنٌ: جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَهِيَ مُؤَكِّدَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ. وَقَدْ قَيَّدَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْإِحْسَانَ بِالْعَمَلِ وَجَعَلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ: مَنْ أَخْلَصَ نَفْسَهُ لَهُ، لَا يُشْرِكُ بِهِ غَيْرَهُ، وَهُوَ مُحْسِنٌ فِي عَمَلِهِ، فَصَارَتِ الْحَالُ هُنَا مُبَيِّنَةً، إِذْ مَنْ لَا يُشْرِكُ قِسْمَانِ: مُحْسِنٌ فِي عَمَلِهِ، وَغَيْرُ مُحْسِنٍ، وَذَلِكَ مِنْهُ جُنُوحٌ إِلَى مَذْهَبِهِ الِاعْتِزَالِيِّ مِنْ أَنَّ الْعَمَلَ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَأَنَّهُ بِهِمَا يَسْتَوْجِبُ دُخُولَ الْجَنَّةِ، وَلِذَلِكَ فَسَّرَ قَوْلَهُ: فَلَهُ أَجْرُهُ الَّذِي يَسْتَوْجِبُهُ،
وَقَدْ فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَةَ الْإِحْسَانِ الشَّرْعِيِّ حِينَ سُئِلَ عَنْ مَاهِيَّتِهِ فَقَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» .
وَقَدْ فُسِّرَ هُنَا الْإِحْسَانُ بِالْإِخْلَاصِ، وَفُسِّرَ بِالْإِيمَانِ، وَفُسِّرَ بِالْقِيَامِ بِالْأَوَامِرِ، وَالِانْتِهَاءِ عَنِ الْمَنَاهِي.
فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ: الْعَامِلُ فِي عِنْدَ هُوَ الْعَامِلُ فِي لَهُ، أَيْ فَأَجْرُهُ مُسْتَقِرٌّ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ، وَلَمَّا أَحَالَ أَجْرَهُ عَلَى اللَّهِ أَضَافَ الظَّرْفَ إِلَى لَفْظَةِ رَبِّهِ، أَيِ النَّاظِرِ فِي مَصَالِحِهِ وَمُرَبِّيهِ وَمُدَبِّرِ أَحْوَالِهِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَطْمَعَ لَهُ، فَلِذَلِكَ أَتَى بِصِفَةِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَأْتِ بِالضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى اللَّهِ فِي الْجُمْلَةِ قَبْلَهُ، وَلَا بِالظَّاهِرِ بِلَفْظِ اللَّهِ. فَلَمْ يَأْتِ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَهُ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِقَلَقِ الْإِتْيَانِ بِهَذِهِ الضَّمَائِرِ، وَلَمْ يَأْتِ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ اللَّهِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الرَّبِّ. وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ: جُمِعَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى مَنْ، وَحُمِلَ أَوَّلًا عَلَى اللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ: مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَفْصَحُ، وَهُوَ أَنْ يُبْدَأَ أَوَّلًا بِالْحَمْلِ عَلَى اللَّفْظِ، ثُمَّ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ. وَقِرَاءَةِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ: فَلَا خَوْفُ، بِرَفْعِ الْفَاءِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ، بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ. وَقِرَاءَةِ الزهري وعيسى الثقفي ويعقوب وَغَيْرِهِمْ: فَلَا خَوْفَ، بِالْفَتْحِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ، وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.
وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ، قِيلَ: الْمُرَادُ عَامَّةُ الْيَهُودِ وَعَامَّةُ النَّصَارَى، فَهَذَا مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَتَكُونُ أَلْ لِلْجِنْسِ، وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ تَقْرِيعٌ لِمَنْ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَتَسْلِيَةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، إِذْ كَذَّبُوا بِالرُّسُلِ وَبِالْكُتُبِ قَبْلَهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ يَهُودُ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ، حَيْثُ تَمَارَوْا عِنْدَ الرَّسُولِ وَتَسَابُّوا، وَأَنْكَرَتِ الْيَهُودُ الْإِنْجِيلَ وَنُبُوَّةَ عِيسَى، وَأَنْكَرَتِ النَّصَارَى

اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 564
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست