responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 537
عَلَيْكُمْ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ. وَوَجَّهَ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ قَوْلَهُ: بِأَنَّ مَثُوبَةٌ مَصْدَرٌ يَقَعُ لِلْمَاضِي وَالِاسْتِقْبَالِ، فَصَلُحَ لِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُهُ لِلْمُضِيِّ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي (كِتَابِ التَّكْمِيلِ) مِنْ تَأْلِيفِنَا، بِأَشْبَعَ مِنْ هَذَا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لَمَثُوبَةٌ بِضَمِّ الثَّاءِ، كَالْمَشُورَةِ.
وَقَرَأَ قَتَادَةُ وَأَبُو السَّمَّالِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ: بِسُكُونِ الثَّاءِ، كَمَشْوُرَةٍ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: لَمَثُوبَةٌ، أَيْ لَثَوَابٌ، وَهُوَ الْجَزَاءُ وَالْأَجْرُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى بِأَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ. وَقِيلَ: لَمَثُوبَةٌ:
لَرَجْعَةٌ إِلَى اللَّهِ خَيْرٌ.
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: هَذَا الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ، أَيْ كَائِنَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَهَذَا الْوَصْفُ هُوَ الْمُسَوِّغُ لِجَوَازِ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ. وَفِي وَصْفِ الْمَثُوبَةِ بِكَوْنِهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، تَفْخِيمٌ وَتَعْظِيمٌ لَهَا، وَلِمُنَاسَبَةِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى. لِذَلِكَ، كَانَ الْمَعْنَى: أَنَّ الَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ وَاتَّقَيْتُمْ مَحَارِمَهُ، هُوَ الَّذِي ثَوَابُكُمْ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ الْمُتَكَفِّلُ بِذَلِكَ لَكُمْ. وَاكْتَفَى بِالتَّنْكِيرِ فِي ذَلِكَ، إِذِ الْمَعْنَى لَشَيْءٌ مِنَ الثَّوَابِ.
قَلِيلُكَ لَا يُقَالُ لَهُ قَلِيلُ خَيْرٌ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ: لَمَثُوبَةٌ، وَلَيْسَ خَيْرٌ هُنَا أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ، بَلْ هِيَ لِلتَّفْضِيلِ، لَا لِلْأَفْضَلِيَّةِ. فَهِيَ كَقَوْلِهِ: أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ، وخَيْرٌ مُسْتَقَرًّا.
فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ: جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ: التَّقْدِيرُ: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ لَكَانَ تَحْصِيلُ الْمَثُوبَةِ خَيْرًا، وَيَعْنِي سَبَبَ الْمَثُوبَةِ، وَهُوَ الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى. وَلِذَلِكَ قَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ لَآمَنُوا، لِأَنَّ مَنْ كَانَ ذَا عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَهُوَ يُسَارِعُ إِلَى اتِّبَاعِهِ، وَلَا الْبَاطِلُ، فَهُوَ يُبَالِغُ فِي اجْتِنَابِهِ. وَمَفْعُولُ يَعْلَمُونَ مَحْذُوفٌ اقْتِصَارًا، فَالْمَعْنَى: لَوْ كَانُوا مِنْ ذَوِي الْعِلْمِ، أَوِ اخْتِصَارًا، فَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ التَّفْضِيلَ فِي ذَلِكَ، وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى. وَقِيلَ: الْعِلْمُ هنا كناية عن العمل، أَيْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ بِعِلْمِهِمْ، وَلَمَّا انْتَفَتْ ثَمَرَةُ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ الْعَمَلُ، جُعِلَ الْعِلْمُ مُنْتَفِيًا.
وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الشَّرِيفَةُ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْيَهُودُ مِنْ خُبْثِ السَّرِيرَةِ، وَعَدَمِ التَّوْفِيقِ وَالطَّوَاعِيَةِ لِأَنْبِيَاءِ اللَّهِ، وَنَصْبِ الْمُعَادَاةِ لَهُمْ، حَتَّى انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى عَدَاوَتِهِمْ مَنْ لَا يَلْحَقُهُ

اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 537
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست