responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 484
لِأَنَّ تَثْقِيلَ فُعْلٍ الصَّحِيحِ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ. يُقَالُ غَلَّفْتُ السَّيْفَ: جَعَلْتُ لَهُ غِلَافًا. فَأَمَّا مَنْ قَرَأَ: غُلْفٌ بِالْإِسْكَانِ، فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مَسْتُورَةٌ عَنِ الْفَهْمِ وَالتَّمْيِيزِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: عَلَيْهَا طَابَعٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: ذَوَاتُ غُلْفٍ، أَيْ عَلَيْهَا غُلْفٌ لَا تَصِلُ إِلَيْهَا الْمَوْعِظَةُ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: خُلِقَتْ غُلْفًا لَا تَتَدَبَّرُ وَلَا تَعْتَبِرُ. وَقِيلَ:
مَحْجُوبَةٌ عَنْ سَمَاعِ مَا تَقُولُ وَفَهْمِ مَا تَبَيَّنَ. وَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْبُهْتِ وَالْمُدَافَعَةِ، حَتَّى يُسْكِتُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا مِنْهُمْ بِحَالِ قُلُوبِهِمْ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ ذَمُّ أَنْفُسِهِمْ بِمَا لَيْسَ فِيهَا، وَكَانُوا يَدْفَعُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَسْبَابُ الدَّفْعِ كَثِيرَةٌ. وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ بِضَمِّ اللَّامِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا أَوْعِيَةٌ لِلْعِلْمِ، أَقَامُوا الْعِلْمَ مُقَامَ شَيْءٍ مُجَسَّدٍ، وَجَعَلُوا الْمَوَانِعَ الَّتِي تَمْنَعُهُمْ غُلْفًا لَهُ، لِيُسْتَدَلَّ بِالْمَحْسُوسِ عَلَى الْمَعْقُولِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ أَنَّهَا أَوْعِيَةٌ لِلْعِلْمِ، فَلَوْ كَانَ مَا تَقُولُهُ حَقًّا وَصِدْقًا لوعته، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَنَّ قُلُوبَنَا غُلْفٌ، أَيْ مَمْلُوءَةٌ عِلْمًا، فَلَا تَسَعُ شَيْئًا، وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى عِلْمٍ غَيْرِهِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ الْمُغَلَّفَ لَا يَسَعُ غِلَافُهُ غَيْرَهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَنَّ قُلُوبَهُمْ غُلْفٌ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ دِينِهِمْ وَشَرِيعَتِهِمْ، وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ دَوَامَ مِلَّتِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ لِصَلَابَتِهَا وَقُوَّتِهَا، تَمْنَعُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا غَيْرُ مَا فِيهَا، كَالْغِلَافِ الَّذِي يَصُونُ الْمُغَلَّفَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ مَا بِغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى كَالْغِلَافِ الْخَالِي لَا شَيْءَ فِيهِ.
بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ: بَلْ: لِلْإِضْرَابِ، وَلَيْسَ إِضْرَابًا عَنِ اللَّفْظِ الْمَقُولِ، لِأَنَّهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، فَلَا يُضْرَبُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا الْإِضْرَابُ عَنِ النِّسْبَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُمْ: إِنَّ قُلُوبَهُمْ غُلْفٌ، لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مُتَمَكِّنَةً مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ، مَفْطُورَةً لِإِدْرَاكِ الصَّوَابِ، فَأَخْبَرُوا عَنْهَا بِمَا لَمْ تُخْلَقْ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ لُعِنُوا بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كُفْرِهِمْ، وَجَازَاهُمْ بِالطَّرْدِ الَّذِي هُوَ اللَّعْنُ الْمُتَسَبِّبُ عَنِ الذَّنْبِ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ. فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ: انْتِصَابُ قَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ فَإِيمَانًا قَلِيلًا يُؤْمِنُونَ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَعَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ: انْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ، التَّقْدِيرُ: فَيُؤْمِنُونَهُ، أَيِ الْإِيمَانَ فِي حَالِ قِلَّتِهِ. وَجَوَّزُوا انْتِصَابَهُ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِزَمَانٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ فَزَمَانًا قَلِيلًا يُؤْمِنُونَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ [1] . وَجَوَّزُوا أَيْضًا انْتِصَابَهُ بِيُؤْمِنُونَ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ فَقَلِيلٌ يُؤْمِنُونَ، ثُمَّ لَمَّا أَسْقَطَ الْبَاءَ تَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْلُ، وَهُوَ قَوْلُ مَعْمَرٍ. وَجَوَّزُوا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ الضَّمِيرُ فِي يُؤْمِنُونَ، الْمَعْنَى: أَيْ فَجَمْعًا قَلِيلًا يُؤْمِنُونَ، أي المؤمن منهم

[1] سورة آل عمران: 3/ 70.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 484
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست