responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 466
وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ مَعْنَاهُ: لَا يُخْرِجْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، أَوْ لَا تُسِيئُوا جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكُمْ فَتُلْجِئُوهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْ دِيَارِكُمْ، أَوْ لَا تَفْعَلُوا مَا تُخْرِجُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ دَارُكُمْ، أَوْ لَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ، أَيْ إِخْوَانَكُمْ، لِأَنَّكُمْ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ لَا تُفْسِدُوا، فَيَكُونَ سَبَبًا لِإِخْرَاجِكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ، كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى تَغْرِيبِ الْجَانِي، أَوْ لَا تُفْسِدُوا وَتُشَاقُّوا الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَيُكْتَبَ عَلَيْكُمُ الْجَلَاءُ. أَقْوَالٌ سِتَّةٌ. ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ: أَيْ بِالْمِيثَاقِ، وَاعْتَرَفْتُمْ بِلُزُومِهِ، أَوِ اعْتَرَفْتُمْ بِقَبُولِهِ، أَوْ رَضِيتُمْ بِهِ، كَمَا قَالَ الْبُعَيْثُ:
وَلَسْتُ كُلَيْبِيًّا إِذَا سِيمَ خُطَّةً ... أَقَرَّ كَإِقْرَارِ الْحَلِيلَةِ لِلْبَعْلِ
وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ: أَيْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَخَذَهُ عَلَيْكُمْ، وَأَرَادَ عَلَى قُدَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنْ كَانَ الْخِطَابُ وَارِدًا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَاصِرِيهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ، فَمَعْنَاهُ: وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَسْلَافِكُمْ بِمَا أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَهْدِ، إِمَّا بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَإِمَّا بِمَا تَتْلُونَهُ مِنَ التَّوْرَاةِ. وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ الْحُضُورَ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِأَسْلَافِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ عَائِدٌ إِلَى الْخَلَفِ، وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَائِدٌ إِلَى السَّلَفِ، لِأَنَّهُمْ عَايَنُوا سَفْكَ دِمَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وَقَالَ: وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ لِأَنَّ الْأَوَائِلَ وَالْأَصَاغِرَ صَارُوا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ خِطَابَ الْحَضْرَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ لِلتَّأْكِيدِ، كَقَوْلِكَ، فُلَانٌ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا، شَاهِدٌ عَلَيْهَا.
ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ: هَذَا اسْتِبْعَادٌ لِمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِهِ مِنَ الْقَتْلِ وَالْإِجْلَاءِ وَالْعُدْوَانِ، بَعْدَ أَخْذِ الْمِيثَاقِ مِنْهُمْ، وَإِقْرَارِهِمْ وَشَهَادَتِهِمْ. وَاخْتَلَفَ الْمُعْرِبُونَ فِي إِعْرَابِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، فَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَنْتُمْ مُبْتَدَأٌ، وَهَؤُلَاءِ خَبَرٌ، وَتَقْتُلُونَ حَالٌ. وَقَدْ قَالَتِ الْعَرَبٌ:
هَا أَنْتَ ذَا قَائِمًا، وَهَا أَنَا ذَا قَائِمًا. وَقَالَتْ أَيْضًا: هَذَا أَنَا قَائِمًا، وَهَا هُوَ ذَا قَائِمًا، وَإِنَّمَا أُخْبِرَ عَنِ الضَّمِيرِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي اللَّفْظِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ الْحَاضِرُ، وَأَنَا الْحَاضِرُ، وَهُوَ الْحَاضِرُ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الْإِخْبَارُ بِالْحَالِ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ حَالٌ مَجِيئُهُمْ بِالِاسْمِ الْمُفْرَدِ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ، فِيمَا قُلْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: هَا أَنْتَ ذَا قَائِمًا وَنَحْوِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْمَعْنَى ثُمَّ أَنْتُمْ بَعْدَ ذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْمُشَاهِدُونَ، يَعْنِي أَنَّكُمْ قَوْمٌ آخَرُونَ غَيْرُ أُولَئِكَ الْمُقِرِّينَ، تَنْزِيلًا لِتَغَيُّرِ الصِّفَةِ مَنْزِلَةَ تَغَيُّرِ الذَّاتِ، كَمَا تَقُولُ: رَجَعْتُ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي خَرَجْتُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: تَقْتُلُونَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ، هُمُ الْمُخَاطَبُونَ أَوَّلًا، فَلَيْسُوا قَوْمًا آخَرِينَ. أَلَا تَرَى

اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 466
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست