responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 296
التَّرْكِ، فَكَأَنَّهُ لَا يَجْرِي لَهُمْ عَلَى بَالٍ، وَعَلَّقَ النساء بِالْأَنْفُسِ تَوْكِيدًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْغَفْلَةِ الْمُفْرِطَةِ.
وَتَنْسَوْنَ: مَعْطُوفٌ عَلَى تَأْمُرُونَ، وَالْمَنْعِيُّ عَلَيْهِمْ جَمْعُهُمْ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ بِالْبِرِّ الَّذِي فِي فِعْلِهِ النَّجَاةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَتَرْكِ فِعْلِهِ حَتَّى صَارَ نَسْيًا مَنْسِيًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ. أَنْفُسَكُمْ، وَالْأَنْفُسُ هُنَا: ذَوَاتُهُمْ، وَقِيلَ: جَمَاعَتُهُمْ وَأَهْلُ مِلَّتِهِمْ، ثُمَّ قُيِّدَ وُقُوعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ: وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ: أَيْ أَنَّكُمْ مُبَاشِرُو الْكِتَابِ وَقَارِئُوهُ، وَعَالِمُونَ بِمَا انْطَوَى عَلَيْهِ، فَكَيْفَ امْتَثَلْتُمُوهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِكُمْ؟ وخالفتموه أَنْفُسِكُمْ؟ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [1] . وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَلَا يَخْفَى مَا فِي تَصْدِيرِهَا بِقَوْلِهِ: وَأَنْتُمْ
، مِنَ التَّبْكِيتِ لَهُمْ وَالتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ لِأَجْلِ الْمُخَاطَبَةِ بِخِلَافِهَا لَوْ كَانَتِ اسْمًا مُفْرَدًا. وَالْكِتَابُ هُنَا: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، وَفِيهِمَا النَّهْيُ عَنْ هَذَا الْوَصْفِ الذَّمِيمِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: الْكِتَابُ هُنَا الْقُرْآنُ، قَالُوا: وَيَكُونُ قَدِ انْصَرَفَ مِنْ خِطَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ تَلْوِينِ الْخِطَابِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ [2] ، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ بُعْدٌ، إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ خِطَابٌ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ.
أَفَلا تَعْقِلُونَ: مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَالنَّحْوِيِّينَ: أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ كَانَ تَقْدِيمَ حَرْفِ الْعَطْفِ عَلَى الْهَمْزَةِ فِي مِثْلِ هَذَا وَمِثْلِ أَوَلَمْ يَسِيرُوا أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتِ الْهَمْزَةُ لَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ، قُدِّمَتْ عَلَى حَرْفِ الْعَطْفِ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ هَلْ. وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ الْوَاوَ وَالْفَاءَ وَثُمَّ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَهَا، وَلَا تَقْدِيمَ وَلَا تَأْخِيرَ، وَيَجْعَلُ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَحَرْفِ الْعَطْفِ جُمْلَةً مُقَدَّرَةً يَصِحُّ الْعَطْفُ عَلَيْهَا، وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْحَذْفَ أَوْلَى مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. وَقَدْ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ إِلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِنَا لِكِتَابِ التَّسْهِيلِ. فَعَلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: فَأَلَا تَعْقِلُونَ، وَعَلَى قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: أَتَعْقِلُونَ فَلَا تَعْقِلُونَ، أَمَكَثُوا فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، أَوْ مَا كَانَ شِبْهَ هَذَا الْفِعْلِ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَنَبَّهَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَفَلا تَعْقِلُونَ، عَلَى أَنَّ فِيهِمْ إِدْرَاكًا شَرِيفًا يَمْنَعُهُمْ مِنْ قَبِيحِ مَا ارْتَكَبُوهُ مِنْ أَمْرِ غَيْرِهِمْ بِالْخَيْرِ وَنِسْيَانِ أَنْفُسِهِمْ عَنْهُ، وَإِنَّ هَذِهِ حَالَةُ مَنْ سُلِبَ الْعَقْلَ، إِذِ الْعَاقِلُ سَاعٍ فِي

[1] سورة البقرة: 2/ 42.
[2] سورة يوسف: 12/ 29.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 296
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست