responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 287
وَإِذَا هُمْ طَعِمُوا فَأَلْأَمُ طَاعِمٍ ... وَإِذَا هُمْ جَاعُوا فَشَرُّ جِيَاعِ
فَأَفْرَدَ بِقَوْلِهِ: طَاعِمٍ، وَجَمَعَ بُقُولِهِ: جِيَاعِ. وَإِذَا أُفْرِدَتِ النَّكِرَةُ الصِّفَةُ، وَقَبْلَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ جَمْعٌ، فَهُوَ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ مُتَأَوَّلٌ، قَالَ الْفَرَّاءُ: تَقْدِيرُهُ مَنْ طَعِمَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَدَّرُ وَصْفًا لِمُفْرَدٍ يُؤَدِّي مَعْنَى جَمْعٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَأَلْأَمُ طَاعِمٍ، وَحَذَفَ الْمَوْصُوفَ، وَقَامَتِ الصِّفَةُ مَقَامَهُ، فَيَكُونُ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ فِي التَّقْدِيرِ وَفْقَ مَا تَقَدَّمَهُ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَكُونُ التَّجَوُّزُ فِي الْجَمْعِ، فَإِذَا قِيلَ مَثَلًا الزَّيْدُونَ أَفْضَلُ عَالِمٍ، فَالْمَعْنَى: كُلٌّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّيْدِينَ أَفْضَلُ عَالِمٍ. وَهَذِهِ النَّكِرَةُ أَصْلُهَا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ التَّعْرِيفُ وَالْجَمْعُ، فَاخْتَصَرُوا الْأَلِفَ وَاللَّامَ وَبِنَاءَ الْجَمْعِ. وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ هُوَ النَّكِرَةُ فِي الْمَعْنَى، فَإِذَا قُلْتَ: أَبُوكَ أَفْضَلُ عَالِمٍ، فَتَقْدِيرُهُ: عِنْدَهُمْ أَبُوكَ الْأَفْضَلُ الْعَالِمُ، وَأُضِيفَ أَفْضَلُ إِلَى مَا هُوَ هُوَ فِي الْمَعْنَى.
وَجَمِيعُ أَحْكَامِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ مُسْتَوْفَاةٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ. وَعَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ تَأَوَّلُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِمَنْ كَفَرَ، أَوْ أَوَّلَ حِزْبٍ كَفَرَ، أَوْ لَا يَكُنْ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَوَّلَ كَافِرٍ. وَالنَّهْيُ عَنْ أَنْ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى إِبَاحَةِ الْكُفْرِ لَهُمْ ثَانِيًا أَوْ آخِرًا، فَمَفْهُومُ الصِّفَةِ هُنَا غَيْرُ مُرَادٍ. وَلَمَّا أُشْكِلَتِ الْأَوَّلِيَّةُ هُنَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَوَّلَ صِلَةٌ يَعْنِي زَائِدَةً، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَا تَكُونُوا كَافِرِينَ بِهِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ثَمَّ مَحْذُوفًا مَعْطُوفًا تَقْدِيرُهُ: وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا آخِرَ كَافِرٍ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِمَّا حُذِفَ فِيهِ الْمَعْطُوفُ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَخَصَّ الْأَوَّلِيَّةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَفْحَشُ، لِمَا فِيهَا مِنَ الِابْتِدَاءِ بِهَا، وَهَذَا شَبِيهٌ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
مِنْ أُنَاسٍ لَيْسَ فِي أَخْلَاقِهِمْ ... عَاجِلُ الْفُحْشِ وَلَا سُوءُ جَزَعْ
لَا يُرِيدُ أَنَّ فِيهِمْ فُحْشًا آجِلًا، بَلْ أَرَادَ لَا فُحْشَ عِنْدَهُمْ، لَا عَاجِلًا، وَلَا آجِلًا، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: وَلَا تَكُونُوا مِثْلَ أَوَّلِ كَافِرٍ بِهِ، أَيْ وَلَا تَكُونُوا وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ مَذْكُورًا فِي التَّوْرَاةِ مَوْصُوفًا مِثْلَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ لَا كِتَابَ لَهُ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى صِفَةٍ مَحْذُوفَةٍ، أَيْ أَوَّلُ كَافِرٍ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، إِذْ هُمْ مَنْظُورٌ إِلَيْهِمْ فِي هَذَا مَظْنُونٌ بِهِمْ عِلْمٌ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى حَذْفِ صِلَةٍ يَصِحُّ بِهَا الْمَعْنَى، التَّقْدِيرُ: وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ مَعَ الْمَعْرِفَةِ، لِأَنَّ كُفْرَ قُرَيْشٍ كَانَ مَعَ الْجَهْلِ، وَهَذَا الْقَوْلُ شَبِيهٌ بِالَّذِي قَبْلَهُ. وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَ صِلَةً غَيْرَ هَذِهِ، أَيْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ عِنْدَ سَمَاعِكُمْ لِذِكْرِهِ، بَلْ تَثَبَّتُوا فِيهِ وَرَاجِعُوا عُقُولَكُمْ فِيهِ. وَقِيلَ:
ذِكْرُ الْأَوَّلِيَّةِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا أَوَّلَ مُؤْمِنٍ بِهِ، لِمَعْرِفَتِهِمْ بِهِ وَبِصِفَتِهِ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا هُمُ الْمُبَشِّرِينَ بِزَمَانِهِ وَالْمُسْتَفْتِحِينَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ، فَلَمَّا بُعِثَ كَانَ أَمْرُهُمْ عَلَى

اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 287
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست