responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 280
لِمَا لَبِسْنَ الْحَقَّ بِالتَّجَنِّي وَجَاءَ أَلْبَسَ بِمَعْنَى لَبَّسَ.
وَقَالَ آخَرُ:
وَكَتِيبَةٍ أَلْبَسْتُهَا بِكَتِيبَةٍ ... حَتَّى إِذَا الْتَبَسَتْ نَفَضْتُ لَهَا يَدِي
الْكَتْمُ، وَالْكِتْمَانُ: الْإِخْفَاءُ، وَضِدُّهُ: الْإِظْهَارُ، وَمِنْهُ الْكَتْمُ: وَرَقٌ يُصْبَغُ بِهِ الشَّيْبُ.
الرُّكُوعُ: لَهُ مَعْنَيَانِ فِي اللُّغَةِ: أَحَدُهُمَا: التّطَامُنُ وَالِانْحِنَاءُ، وَهَذَا قَوْلُ الْخَلِيلِ وَأَبِي زَيْدٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
أُخَبِّرُ أَخْبَارَ الْقُرُونِ الَّتِي مَضَتْ ... أَدُبُّ كَأَنِّي كُلَّمَا قُمْتُ رَاكِعُ
وَالثَّانِي: الذِّلَّةُ وَالْخُضُوعُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُفَضَّلِ وَالْأَصْمَعِيِّ، قَالَ الْأَضْبَطُ السَّعْدِيُّ:
لَا تُهِينُ الضَّعِيفَ عَلَّكَ أَنْ ... تَرْكَعَ يَوْمًا وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهُ
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ هَذَا افْتِتَاحُ الْكَلَامِ مَعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَمُنَاسَبَةُ الْكَلَامِ مَعَهُمْ هُنَا ظَاهِرَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ افْتُتِحَتْ بِذِكْرِ الْكِتَابِ، وَأَنَّ فِيهِ هُدًى لِلْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْكُفَّارِ الْمَخْتُومِ عَلَيْهِمْ بِالشَّقَاوَةِ، ثُمَّ بِذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ، وَذِكْرِ جُمَلٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ قَاطِبَةً بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ ذَكَرَ إِعْجَازَ الْقُرْآنِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ، ثُمَّ نَبَّهَهُمْ بِذِكْرِ أَصْلِهِمْ آدَمَ، وَمَا جَرَى لَهُ مِنْ أَكْلِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ، وَأَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ إِبْلِيسُ. وَكَانَتْ هَاتَانِ الطَّائِفَتَانِ: أَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىَ، أَهْلَ كِتَابٍ، مُظْهِرِينَ اتِّبَاعَ الرُّسُلِ وَالِاقْتِدَاءَ بِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدِ انْدَرَجَ ذِكْرُهُمْ عُمُومًا فِي قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا [1] ، فَجَرَّدَ ذِكْرَهُمْ هُنَا خُصُوصًا، إِذْ قَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَبَقِيَ الْكَلَامُ مَعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَتَكَلَّمَ مَعَهُمْ هُنَا، وَذَكَرُوا مَا يَقْتَضِي لَهُمُ الْإِيمَانَ بِهَذَا الْكِتَابِ، كَمَا آمَنُوا بِكُتُبِهِمُ السَّابِقَةِ، إِلَى آخِرِ الْكَلَامِ مَعَهُمْ عَلَى مَا سَيَأْتِي جُمْلَةً مُفَصَّلَةً. وَنَاسَبَ الْكَلَامَ مَعَهُمْ قِصَّةَ آدَمَ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصلاة والسلام، لأنهم بعد ما أُوتُوا مِنَ الْبَيَانِ الْوَاضِحِ وَالدَّلِيلِ اللَّائِحِ، الْمَذْكُورِ ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، مِنْ الْإِيفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ، ظَهَرَ مِنْهُمْ ضِدُّ ذَلِكَ بِكُفْرِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالنِّدَاءِ لِيُحَرِّكَهُمْ لِسَمَاعِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، نَحْوَ قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا، وَيا آدَمُ اسْكُنْ [2] .

[1] سورة البقرة: 2/ 121. [.....]
[2] سورة البقرة: 2/ 35.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 280
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست