responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 271
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [1] ، فَهُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ خُوطِبُوا بِالْهُبُوطِ، فَقَدْ دَلَّا عَلَى اتِّحَادِ زَمَانِ الْهُبُوطِ. وَأَبْعَدَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي قَوْلِهِ: كَأَنَّهُ قَالَ هبوطا جميعا، أو هابطين جَمِيعًا، فَجَعَلَهُ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ لِاسْمِ فَاعِلٍ مَحْذُوفٍ، كُلٌّ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ. قَالَ: لِأَنَّ جَمِيعًا لَيْسَ بِمَصْدَرٍ وَلَا اسْمَ فَاعِلٍ، مَعَ مُنَافَاةِ مَا قَدَّرَهُ لِلْحُكْمِ الَّذِي صَدَّرَهُ، لِأَنَّهُ قَالَ: أَوَّلًا وَجَمِيعًا حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي اهْبِطُوا. فَإِذَا كَانَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي اهْبِطُوا عَلَى مَا قَرَّرَ أَوَّلًا، فَكَيْفَ يُقَدَّرُ ثَانِيًا؟ كَأَنَّهُ قَالَ: هُبُوطًا جَمِيعًا، أَوْ هَابِطِينَ جَمِيعًا.
فَكَلَامُهُ أَخِيرًا يُعَارِضُ حُكْمَهُ أَوَّلًا، وَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ لَيْسَ بِمَصْدَرٍ وَلَا اسْمَ فَاعِلٍ وُقُوعُهُ حَالًا حَتَّى يُضْطَرَّ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الَّذِي قَدَّرَهُ. وَأَبْعَدَ غَيْرَهُ أَيْضًا فِي زَعْمِهِ أَنَّ التَّقْدِيرَ: وَقُلْنَا اهْبِطُوا مُجْتَمِعِينَ، فَهَبَطُوا جَمِيعًا، فَجَعَلَ ثُمَّ حَالًا مَحْذُوفَةً لِدِلَالَةِ جَمِيعًا عَلَيْهَا، وَعَامِلًا مَحْذُوفًا لِدِلَالَةِ اهْبِطُوا عَلَيْهِ. وَلَا يَلْتَئِمُ هَذَا التَّقْدِيرُ مَعَ مَا بَعْدَهُ إِلَّا عَلَى إِضْمَارِ قَوْلٍ: أَيْ فَقُلْنَا: إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْمَأْمُورِينَ بِالْهُبُوطِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هُبُوطًا ثَانِيًا، فَقِيلَ يَخُصُّ آدَمَ وَحَوَّاءَ، لِأَنَّ إِبْلِيسَ لَا يَأْتِيهِ هُدًى، وَخُصَّا بِخِطَابِ الْجَمْعِ تَشْرِيفًا لَهُمَا. وَقِيلَ:
يَنْدَرِجُ فِي الْخِطَابِ لِأَنَّ إِبْلِيسَ مُخَاطَبٌ بِالْإِيمَانِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ شَرْطِيَّةٌ وَمَا زَائِدَةٌ بَعْدَهَا لِلتَّوْكِيدِ، وَالنُّونُ فِي يَأْتِيَنَّكُمْ نُونُ التَّوْكِيدِ، وَكَثُرَ مَجِيءُ هَذَا النَّحْوِ فِي الْقُرْآنِ: فَإِمَّا تَرَيِنَّ [2] ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ [3] ، فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ [4] . قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الَمَهْدَوِيِّ: إِنَّ: هِيَ، الَّتِي لِلشَّرْطِ زِيدَتْ عَلَيْهَا مَا لِلتَّأْكِيدِ لِيَصِحَّ دُخُولُ النُّونِ لِلتَّوْكِيدِ فِي الْفِعْلِ، وَلَوْ سَقَطَتْ، يَعْنِي مَا لَمْ تَدْخُلِ النُّونُ، فَمَا تُؤَكَّدْ أَوَّلَ الْكَلَامِ، وَالنُّونُ تُؤَكَّدُ آخِرَهُ. وَتَبِعَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي هَذَا فَقَالَ: فَإِنْ هِيَ لِلشَّرْطِ، دَخَلَتْ مَا عَلَيْهَا مُؤَكِّدَةً لِيَصِحَّ دُخُولُ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ، فَهِيَ بِمَثَابَةِ لَامِ الْقَسَمِ الَّتِي تَجِيءُ لِمَجِيءِ النُّونِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ النُّونَ لَازِمَةٌ لِفِعْلِ الشَّرْطِ إِذَا وصلت إن بما، هُوَ مَذْهَبُ الْمُبَرِّدِ وَالزَّجَّاجِ، زَعَمَا أَنَّهَا تَلْزَمُ تَشْبِيهًا بِمَا زِيدَتْ لِلتَّأْكِيدِ فِي لَامِ الْيَمِينِ نَحْوَ: وَاللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ. وَزَعَمُوا أَنَّ حَذْفَ النُّونِ إِذَا زِيدَتْ مَا بَعْدَ إِنَّ ضَرُورَةٌ. وَذَهَبَ سِيبَوَيْهِ وَالْفَارِسِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُخْتَصُّ بِالضَّرُورَةِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْكَلَامِ إِثْبَاتُهَا وَحَذْفُهَا، وَإِنْ كَانَ الْإِثْبَاتُ أَحْسَنَ. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ حَذْفُ مَا وَإِثْبَاتُ النُّونِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ شِئْتَ لَمْ تُقْحِمِ النُّونَ، كَمَا أَنَّكَ

[1] سورة البقرة: 2/ 29.
[2] سورة مريم: 29/ 29. [.....]
[3] سورة الأعراف: 7/ 200.
[4] سورة الزخرف: 43/ 41.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 271
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست