responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 115
وَالْهَزْلُ، وَاللَّعِبُ. وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، فَلَا يَصِحُّ إِضَافَةُ الِاسْتِهْزَاءِ الَّذِي هَذِهِ دَوَاعِيهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِهْزَاءُ الْمُسْنَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كِنَايَةً عَنْ مُجَازَاتِهِ لَهُمْ، وَأُطْلِقَ اسْمُ الِاسْتِهْزَاءِ عَلَى الْمُجَازَاةِ لِيُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ جَزَاءُ الِاسْتِهْزَاءِ، أَوْ عَنْ مُعَامَلَتِهِ لَهُمْ بِمِثْلِ مَا عَامَلُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَقْنِ الدَّمِ، وَصَوْنِ الْمَالِ، وَالْإِشْرَاكِ فِي الْمَغْنَمِ، مَعَ عِلْمِهِ بِكُفْرِهِمْ. وَأُطْلِقَ عَلَى الشَّيْءِ مَا أَشْبَهَهُ صُورَةً لَا مَعْنًى، أَوْ عَنِ التَّوْطِئَةِ وَالتَّجْهِيلِ، لِإِقَامَتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَسَمَّى التَّوْطِئَةَ لَهُمُ اسْتِهْزَاءً لِأَنَّهُ لَمْ يُعَجِّلْ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ، بَلْ أَمْلَى، وَأَخَّرَهُمْ إِلَى الْآخِرَةِ، أَوْ عَنْ فَتْحِ بَابِ الْجَنَّةِ فَيُسْرِعُونَ إِلَيْهِ فَيُغْلَقُ، فَيَضْحَكُ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، أَوْ عَنْ خُمُودِ النَّارِ فَيَمْشُونَ فَيُخْسَفُ بِهِمْ، أَوْ عَنْ ضَرْبِ السُّورِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ السُّورُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيدِ، أَوْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [1] ، أَوْ عَنْ تَجْدِيدِ اللَّهِ لَهُمْ نِعْمَةً كُلَّمَا أَحْدَثُوا ذَنْبًا، فَيَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُمْ، أَوْ عَنِ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْمُنَافِقِينَ وَبَيْنَ النُّورِ الَّذِي يُعْطَاهُ الْمُؤْمِنُونَ، كَمَا ذَكَرُوا أَنَّهُ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ، أَوْ عَنْ طَرْدِهِمْ عَنِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَمَرَ بِنَاسٍ مِنْهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَدَنَوْا مِنْهَا وَوَجَدُوا رِيحَهَا وَنَظَرُوا إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهَا لِأَهْلِهَا، وَهُوَ حَدِيثٌ فِيهِ طُولٌ، رُوِيَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَنَحَا هَذَا الْمَنْحَى ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ.
وَفِي مُقَابَلَةِ اسْتِهْزَائِهِمْ بِالْمُؤْمِنِينَ بِاسْتِهْزَاءِ اللَّهِ بِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِمْ، وَلِيَعْلَمَ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَذُبُّ عَنْهُمْ وَيُحَارِبُ مَنْ حَارَبَهُمْ. وَفِي افْتِتَاحِ الْجُمْلَةِ بِاسْمِ اللَّهِ التَّفْخِيمُ الْعَظِيمُ، حَيْثُ صُدِّرَتِ الْجُمْلَةُ بِهِ، وَجُعِلَ الْخَبَرُ فِعْلًا مُضَارِعًا يَدُلُّ عِنْدَهُمْ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالتَّكَرُّرِ، فَهُوَ أَبْلَغُ فِي النِّسْبَةِ مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ الْمُخْبَرِ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ، ثُمَّ فِي ذَلِكَ التَّنْصِيصِ عَلَى الذين يستهزىء اللَّهُ بِهِمْ، إِذْ عَدَّى الفعل إليهم فقال: يستهزىء بِهِمْ وَهُمْ لَمْ يَنُصُّوا حِينَ نَسَبُوا الِاسْتِهْزَاءَ إِلَيْهِمْ عَلَى مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ الِاسْتِهْزَاءُ، فَلَمْ يَقُولُوا: إِنَّمَا نحن مستهزءون بِهِمْ وَذَلِكَ لِتَحَرُّجِهِمْ مِنْ إِبْلَاغِ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ فَيَنْقِمُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَبْقَوُا اللَّفْظَ مُحْتَمِلًا أَنْ لَوْ حُوقِقُوا عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ لَهُمْ مَجَالٌ فِي الذَّبِّ عَنْهُمْ أنهم لم يستهزءوا بِالْمُؤْمِنِينَ. أَلَا تَرَى إِلَى مُدَارَاتِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِقَوْلِهِمْ: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَبِقَوْلِهِمْ:
إِذَا لَقُوهُمْ قَالُوا آمَنَّا، فَهُمْ عِنْدَ لِقَائِهِمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ إِظْهَارَ الْمُدَارَاةِ، وَلَا مُشَارَكَتِهِمْ بِمَا يَكْرَهُونَ، بَلْ يُظْهِرُونَ الطَّوَاعِيَةَ وَالِانْقِيَادَ.

[1] سورة الدخان: 44/ 49.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 115
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست