responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 105
وَجْهَيْ مَا مِنْ قَوْلِهِ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ خَطَأٌ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مَا مَوْصُولَةً بِمَعْنَى الَّذِي، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الْخَبَرِ خَبَرٌ، فَيَكْذِبُونَ قَدْ حُذِفَ مِنْهُ الْعَائِدُ عَلَى مَا، وَقَوْلُهُ: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ لَا ضَمِيرَ فِيهِ يَعُودُ عَلَى مَا، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ، إِذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ: وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بالذي كَانُوا، إِذا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ، وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ لِعَدَمِ الْعَائِدِ. وَأَمَّا وَجْهُهَا الْآخَرُ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً، فَعَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ يَكُونُ هَذَا الْإِعْرَابُ أَيْضًا خَطَأً، إِذْ عِنْدَهُ أَنَّ مَا الْمَصْدَرِيَّةَ اسْمٌ يَعُودُ عَلَيْهَا مِنْ صِلَتِهَا ضَمِيرٌ، وَالْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ عَارِيَةٌ مِنْهُ. وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، فَهَذَا الْإِعْرَابُ شَائِعٌ، وَلَمْ يَذْكُرِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَأَبُو الْبَقَاءِ إِعْرَابَ هَذَا سِوَى أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى يَكْذِبُونَ، أَوْ عَلَى يَقُولُ، وَزَعَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ وَجْهٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِيهِ، وَالَّذِي نَخْتَارُهُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً، كَمَا قَرَّرْنَاهُ، إِذْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَالْجُمْلَتَانِ بَعْدَهَا هِيَ مِنْ تَفَاصِيلِ الْكَذِبِ وَنَتَائِجِ التَّكْذِيبِ. أَلَا تَرَى قَوْلَهُمْ: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ وَقَوْلَهُمْ: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ، وَقَوْلَهُمْ عِنْدَ لِقَاءِ الْمُؤْمِنِينَ آمَنَّا كَذِبٌ مَحْضٌ؟ فَنَاسَبَ جَعَلَ ذَلِكَ جُمَلًا مُسْتَقِلَّةً ذُكِرَتْ لِإِظْهَارِ كَذِبِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ وَنِسْبَةِ السَّفَهِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَاسْتِهْزَائِهِمْ، فَكَثُرَ بِهَذِهِ الْجُمَلِ وَاسْتِقْلَالِهَا ذَمُّهُمْ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِهَا سِيقَتْ صِلَةَ جُزْءِ كَلَامٍ لِأَنَّهَا إِذْ ذَاكَ لَا تَكُونُ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا، إِنَّمَا جِيءَ بِهَا مُعَرِّفَةً لِلْمَوْصُولِ إِنْ كَانَ اسْمًا، وَمُتَمِّمَةً لِمَعْنَاهُ إِنْ كَانَ حَرْفًا. وَالْجُمْلَةُ بَعْدَ إِذَا فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِالْإِضَافَةِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْجَوَابُ، فَإِذَا فِي الْآيَةِ مَنْصُوبَةٌ بِقَوْلِهِ: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ. وَالَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّ الْجُمْلَةَ بَعْدَهَا تَلِيهَا هِيَ النَّاصِبَةُ لِإِذَا لِأَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ، وَأَنَّ مَا بَعْدَهَا لَيْسَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِالْإِضَافَةِ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الظُّرُوفِ الَّتِي يُجَازَى بِهَا وَإِنْ قَصُرَتْ عَنْ عَمَلِهَا الْجَزْمَ. عَلَى أَنَّ مِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ أَجَازَ الْجَزْمَ بِهَا حَمْلًا عَلَى مَتَى مَنْصُوبًا بِفِعْلِ الشَّرْطِ، فَكَذَلِكَ إِذَا مَنْصُوبَةٌ بِفِعْلِ الشَّرْطِ بَعْدَهَا، وَالَّذِي يُفْسِدُ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ جواز: إِذَا قُمْتَ فَعَمْرٌو قَائِمٌ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا، وَجَوَازُ وُقُوعِ إِذَا الْفُجَائِيَّةِ جَوَابًا لِإِذَا الشَّرْطِيَّةِ، قَالَ تَعَالَى: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ [1] إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا، وَمَا بَعْدَ إِذَا الْفُجَائِيَّةِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا، وَحَذْفُ فَاعِلِ الْقَوْلِ هُنَا لِلْإِبْهَامِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكُلٌّ مِنْ هَذَا قَدْ قِيلَ، وَالْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنَّهَا الْجُمْلَةُ الْمُصَدَّرَةُ بِحَرْفِ النَّهْيِ وَهِيَ: لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، إِلَّا إِنْ

[1] سورة يونس: 10/ 21.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 105
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست