responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف : الشنقيطي، محمد الأمين    الجزء : 1  صفحة : 329
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ، مَعْنَاهُ: لَا يَحْمِلْنَكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ تَعْتَدُوا، وَنَظِيرُهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَلَقَدْ طَعَنْتُ أَبَا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً ... جَرَمَتْ فَزَارَةُ بَعْدَهَا أَنْ يَغْضَبُوا
أَيْ حَمَلَتْهُمْ عَلَى أَنْ يَغْضَبُوا.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ، أَيْ: لَا يُكْسِبَنَّكُمْ، وَعَلَيْهِ فَلَا تَقْدِيرَ لِحَرْفِ الْجَرِّ فِي قَوْلِهِ: أَنْ تَعْتَدُوا، أَيْ: لَا يُكْسِبَنَّكُمْ بُغْضُهُمُ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهِمْ.
وَقَرَأَ بَعْضُ السَّبْعَةِ: شَنْآنُ، بِسُكُونِ النُّونِ، وَمَعْنَى الشَّنَآنِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ، أَيْ بِفَتْحِ النُّونِ، وَبِسُكُونِهَا: الْبُغْضُ. مَصْدَرُ «شَنَأَهُ» إِذَا أَبْغَضَهُ.
وَقِيلَ عَلَى قِرَاءَةِ سُكُونِ النُّونِ يَكُونُ وَصْفًا كَالْغَضْبَانِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ: أَنْ صَدُّوكُمْ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ; فَالْمَعْنَى: إِنْ وَقَعَ مِنْهُمْ صَدُّهُمْ لَكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ بِمَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ.
وَإِبْطَالُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: بِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ صَدِّ الْمُشْرِكِينَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِ الصَّدِّ بَعْدَ وُقُوعِهِ - مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: أَنَّ قِرَاءَةَ إِنْ صَدُّوكُمْ، بِصِيغَةِ الشَّرْطِ قِرَاءَةٌ سَبْعِيَّةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا، وَبِهَا قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو مِنَ السَّبْعَةِ:
الثَّانِي: أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: إِنْ صَدُّوكُمْ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ، كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ صِيغَةُ «أَنْ» ; لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الشَّكِّ فِي حُصُولِ الشَّرْطِ، فَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ تَكَرُّرُ الْفِعْلِ السَّيِّئِ عَلَى الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِمْ بِمَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ، ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُحْبِطُ جَمِيعَ عَمَلِهِ بِرِدَّتِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ زَائِدٍ، وَلَكِنَّهُ أَشَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [2 \ 217] .
وَمُقْتَضَى الْأُصُولِ حَمْلُ هَذَا الْمُطْلَقِ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ، فَيُقَيِّدُ إِحْبَاطَ الْعَمَلِ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ، خِلَافًا لِمَالِكٍ الْقَائِلِ بِإِحْبَاطِ الرِّدَّةِ الْعَمَلَ

اسم الکتاب : أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف : الشنقيطي، محمد الأمين    الجزء : 1  صفحة : 329
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست