responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف : الشنقيطي، محمد الأمين    الجزء : 1  صفحة : 12
فَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - هُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا، فَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ يَكُونُ الْإِيثَارُ مَمْنُوعًا. وَذَلِكَ كَمَا إِذَا كَانَتْ عَلَى الْمُنْفِقِ نَفَقَاتٌ وَاجِبَةٌ، كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَنَحْوِهَا فَتَبَرَّعَ بِالْإِنْفَاقِ فِي غَيْرِ وَاجِبٍ، وَتَرَكَ الْفَرْضَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» وَكَأَنْ يَكُونَ لَا صَبْرَ عِنْدَهُ عَنْ سُؤَالِ النَّاسِ فَيُنْفِقُ مَالَهُ وَيَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ يَسْأَلُهُمْ مَالَهُمْ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَالْإِيثَارُ فِيمَا إِذَا كَانَ لَمْ يُضَيِّعْ نَفَقَةً وَاجِبَةً وَكَانَ وَاثِقًا مِنْ نَفْسِهِ بِالصَّبْرِ وَالتَّعَفُّفِ وَعَدَمِ السُّؤَالِ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) يَعْنِي بِهِ الزَّكَاةَ، فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) الْآيَةَ، لَا يَخْفَى أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ:
(وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ) مُحْتَمِلَةٌ فِي الْحَرْفَيْنِ أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً عَلَى مَا قَبْلِهَا، وَأَنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافِيَّةً، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ هُنَا، وَلَكِنْ بَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ قَوْلَهُ (وَعَلَى سَمْعِهِمْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ (عَلَى قُلُوبِهِمْ) ، وَأَنَّ قَوْلَهُ (وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ) اسْتِئْنَافٌ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ (غِشَاوَةٌ) وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِالنَّكِرَةِ فِيهِ اعْتِمَادُهَا عَلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ قَبْلَهَا، وَلِذَلِكَ يَجِبُ تَقْدِيمُ هَذَا الْخَبَرِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِالْمُبْتَدَأِ كَمَا عَقَدَهُ فِي [الْخُلَاصَةِ] بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزُ]
وَنَحْوَ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِي وَطَرْ ... مُلْتَزَمٌ فِيهِ تَقُدُّمُ الْخَبَرْ
فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْخَتْمَ عَلَى الْقُلُوبِ وَالْأَسْمَاعِ، وَأَنَّ الْغِشَاوَةَ عَلَى الْأَبْصَارِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) [45 \ 23] ، وَالْخَتْمُ: الِاسْتِيثَاقُ مِنَ الشَّيْءِ حَتَّى لَا يَخْرُجَ مِنْهُ دَاخِلٌ فِيهِ وَلَا يَدْخُلَ فِيهِ خَارِجٌ عَنْهُ، وَالْغِشَاوَةُ: الْغِطَاءُ عَلَى الْعَيْنِ يَمْنَعُهَا مِنَ الرُّؤْيَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ: [الطَّوِيلُ]
هَوَيْتُكِ إِذْ عَيْنِي عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ ... فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفَسِي أَلُومُهَا
وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ نَصَبَ «غِشَاوَةٌ» فَهِيَ مَنْصُوبَةٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ (وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) [45 \ 23] ، كَمَا فِي سُورَةِ «الْجَاثِيَةِ» وَهُوَ كَقَوْلِهِ: [الرَّجَزُ]
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ... حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا

اسم الکتاب : أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف : الشنقيطي، محمد الأمين    الجزء : 1  صفحة : 12
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست