تفريق السلف بين مفهوم السنة والحديث:
ولذلك نجد أئمة السلف كثيرًا ما يفرقون بين السنة والحديث، ويجعلون السنة في مقابل البدعة، والحديث هو أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته.
فهذا الإمام الشافعي رحمه الله يروي عنه الربيع بن سليمان[1] قائلًا: قال لنا الشافعي: أحمد إمام في ثمان خصال: إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر[2]، إمام في [1] هو: الربيع بن سليمان المرادي المؤذن، خادم الشافعي وراوي كتبه، كان الشافعي يقول: إنه أحفظ أصحابي، ولد سنة 174، ومات سنة 270هـ، وانظر ترجمته لدي: ابن هداية الله الحسيني: طبقات الشافعية، بتحقيق عادل نويهض، ط. الثالثة، 1402 هـ. نشر: دار الآفاق الجديدة - بيروت"، ص24. [2] الفقر في اللغة: ضد الغني، وقدر ذلك أن يكون له ما يكفي عياله. ابن منظور، لسان العرب 5/ 60، ولفظ الفقر في الشرع يراد به: الفقر من المال، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} ، [التوبة: 60] ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} ، [فاطر: 15] .
انظر: ابن تيمة الفتاوي 11/ 196.
وكان افمام أحمد رحمه الله إمامًا في الفقر؛ فقد روى عنه المروزي أنه قال: ما أعدل بالفقر شيئًا، ما أعدل بالفقر شيئًا، ما أعدل بالفقر شيئًا. أنا أفرح إذا لم يكن عندي شيء، وفي =
السنة"[1]؛ إذ لم أراد الاستقصاء وإنما القصد التمثيل على أن السلف كانوا يسمون ما يصفنون في أبواب الاعتقاد باسم "السنة" أو "شرح السنة".
وهذه المصنفات اشتملت على المسائل العقدية والاحتجاج عليها من الكتاب والستة وآثار السلف الصالح. وفي ذلك دلالة على أن السلف يقصدون بالسنة معنى زائدًا على الحديث، وأنهم يريدون بها: ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أمور الاعتقادات والعبادات وغيرها؛ وذلك شامل للقرآن وسنته صلى الله عليه وسلم. [1] انظر مثلًا: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 5/ 24.