الله صلى الله عليه وسلم بدر منهم ما يدل على عدم يقينهم بأن كل شيء يقدر، يقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} [1].
ذكر الإمام ابن جرير أن الذين قالوا ذلك جماعة من المنافقين[2].
خوض الصحابة في القدر:
وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، خاض بعض الصحابة الكرام في القدر فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فانتهوا ولم يعودوا لمثل ذلك أبدًا.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يختصمون في القدر؛ فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال: بهذا أمرتم؟ أو لهذا خلفتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض، بهذا هلكت الأمم قبلكم"[3]، ولم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم تكلموا في ذلك إلا عندما ظهرت بدعة القدرية فتكلم من عناصر ذلك منهم بالرد والإنكار عليهم كما سيأتي ذلك.
ظهور بدعتي نفي القدر والقول بالجبر:
في أواخر عصر الصحابة رضوان الله عنهم، كانت البداية الحقيقة لنشأة الاختلاف والكلام في القدر.
إذ نبغ في وقتهم معبد الجهني[4] الذي قال بنفي القدر، كما روى الإمام [1] سورة آل عمران آية 156. [2] انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن 7/ 331- 332. [3] جه: مقدمة، باب في القدر 1/ 333، ح 85، وقال الشيخ الألباني: "حسن صحيح".
انظر: صحيح ابن ماجه 1/ 21، ح 69، وقال أحمد شاكر: صحيح. انظر: شرع على مسند أحمد 10/ 153، ح 6668. [4] وهو معبد الجهني، قال ابن حجر: يقال إنه: ابن عبد الله بن عكيم، ويقال: ابن عبد الله بن عويم، ويقال: ابن خالد، كان صدوقًا في الحديث، وكان أول من تكلم في القدر بالبصرة، وكان رأسًا في القدر، قتله الحجاج سنة 80 هـ، انظر: تهذيب التهذيب 10/ 225- 226.