المبحث الثاني: في نشأة الكلام في القدر ونزاع الناس فيه
الحديث عن القدر والنزاع والمخاصمة فيه، والاحتجاج به، من الأمور التي صاحبت الإسلام منذ نشأته؛ بل أنا لا نعدوا لحقيقة إذا قلنا إن جذور الكلام والخوض فيه تمتد إلى ما قبل الإسلام.
يؤكد ذلك نصوص من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقد جاء فيهما ما يدل على أن كفار قريش، خاصموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر ونازعوه فيه، واحتجوا به.
يقول الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه: "جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [1]، [2].
قال الإمام ابن القيم في هذه الآية: "والمخاصمون في القدر نوعان:
أحدهما: من يبطل أمر الله ونهيه بقضائه وقدره، كالذين قالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا.
والثاني: من ينكر قضاءه وقدره السابق؛ والطائفتان خصماء الله"[3].
وأخبر عز وجل في آية أخرى أن المشركين كانوا يحتجون بالقدر ويتعللون بمشيئة الله وينسبون ما وقع منهم من كفر وشرك وعصيان إلى إرادة الله ذلك ومشيئته إياه، منكرين إرادتهم واختيارهم؛ وذلك تنصلًا من مسؤولية ما اقترفوا من شرك وإثم. يقول عز وجل في ذلك:
{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا [1] سورة القمر آية 48- 49. [2] م: كتاب القدر، باب كل شيء بقدر 4/ 2046، ح 2656. [3] شفاء العليل 28.