تمهيد: في بيان افتراق الأمة وأسباب ذلك
أولًا: افتراق هذه الأمة
أخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيقع في أمته ما وقع في بني إسرائيل من التفرق والاختلاف؛ فقال: "افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة"[1].
وفي بعض الروايات: "كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة"[2].
وفي بعضها: "كلها في النار إلا واحدة". قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي"[3].
ولم يقع في حياته صلى الله عليه وسلم بين الأمة فرقة أو اختلاف؛ لأنه بين أظهرهم والوحي يتنزل عليه، فلا مجال لفرقة، ولا مرتع لبدعة.
ولما لحق صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، عاش الناس بعده في كنف الخلافة الراشدة المهدية، لم يظهر بينهم خلاف في أصول دينهم أو افتراق بسبب ذلك.
فكان الناس على اجتماع وائتلاف خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وطرفًا من خلافة علي رضي الله عنه، ثم في منتصف خلافته رضي الله عنه اشرأبت أعناق البدع، ونبتت ثوابت الفرقة والاختلاف في أصول الدين وأمور الإيمان ثم تتابع ظهور البدع والفرق مصداقًا لخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وقد تكلم أرباب الفرق والمقالات على تحصيل عدد هذه الفرق [1] أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 128، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. [2] جه: كتاب الفتن 2/ 1322، ح 3993. [3] تقد تخريجها، انظر: ص 48.