ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم؛ حتى تقوم الساعة، ومن يتدبر أحوال العالم في هذا الوقت يعلم أن هذه الطائفة هي أقوم الطوائف بدين الإسلام، علمًا وعملًا، وجهادًا، عن شرق الأرض وغربها؛ فإنهم هم الذين يقاتلون، أهل الشوكة العظيمة من المشركين وأهل الكتاب، ومغازيهم مع النصارى، ومع المشركين من الترك، ومع الزنادقة المنافقين من الداخلين في الرافضة وغيرهم، كالإسماعيلية ونحوهم من القرامطة معروفة، معلومة قديمًا وحديثًا"[1].
ثم ذكر رحمه الله أحوال أهل الأقطار الإسلامية، وما حل بهم من ضعف وعجز عن الجهاد، وبعد عن الكتاب والسنة، وتلبس بالبدع والضلال والفجور؛ فيقول: "وذلك أن سكان اليمن في الوقت ضعاف، عاجزون عن الجهاد، أو مضيعون له وهم مطيعون لمن ملك هذه البلاد، حتى ذكروا أنهم أرسلوا بالسمع والطاعة لهؤلاء. وأما سكان الحجاز؛ فأكثرهم أو كثير منهم خارجون عن الشريعة، وفيهم من البدع والضلال والفجور ما لا يعلمه إلا الله، وأهل الإيمان والدين فيهم مستضعفون عاجزون, وأما بلاد إفريقية فأعرابها غالبون عليها، وهم من شرق الخلق؛ بل هم مستحقون للجهاد والغزو، وأما المغرب الأقصى فمع استيلاء الإفرنج على أكثر بلادهم لا يقومون بجهاد النصارى هناك؛ فهذا وغيره مما يبين أن هذه العصابة التي بالشام ومصر في هذا الوقت، هم كتيبة الإسلام, وعزهم عز الإسلام، وذلهم ذل الإسلام؛ فلو استولى عليهم التتار لم يبق للإسلام عز، ولا كلمة عالية، ولا طائفة ظاهرة عالية يخافها أهل الأرض تقاتل عنه"[2].
فهذه الصورة التي نقلها شيخ الإسلام لواقع المسلمين في عصره، تبين في جلاء أن أكثر أهل الديار الإسلامية قد ابتعدوا عن الكتاب والسنة، ودب فيهم الضلال والفجور والبدع، مما جعلهم غير مؤهلين للدفاع عن بلاد الإسلام، وجهاد الأعداء، وإن أهل الشام كانوا في ذلك الوقت هم أهل السنة العاملين بها والذابين عنها قولًا وعملًا وجهادًا لأعدائها؛ فكانوا هم الطائفة المنصورة في عصرهم. [1] الفتاوى 28/ 531- 532. [2] الفتاوى 28- 533- 534.