((فأصبح قساوستها وأساقفتها على التدريج رجالاً مكيفين وفق مذاهب واعتقاديات حتمية وإجراءات مكررة وثابتة.. ونظراً لأن كثيراً منهم كانوا على الأرجح يسرون الريبة في سلامة بنيان مبادئهم الضخم المحكم وصحته المطلقة لم يسمحوا بأية مناقشة فيه. كانوا لا يحتملون أسئلة ولا يتسامحون في مخالفة، لا لأنهم على ثقة من عقيدتهم، بل لأنهم كانوا غير واثقين فيها.
((وقد تجلى في الكنيسة عندما وافى القرن الثالث عشر ما يساورها من قلق قاتل حول الشكوك الشديدة التي تنخر بناء مدعياتها بأكمله، وقد تجعله أثراً بعد عين. فلم تكن تستشعر أي اطمئنان نفسي، وكانت تتصيد الهراطقة في كل مكان كما تبحث العجائز الخائفات –فيما يقال- عن اللصوص تحت الأسرة وفي الدواليب قبل الهجوع في فراشهن)) .
ومن الأدلة التاريخية التي تثبت أن النصارى – على الرغم من تشبثهم الشديد بمقررات المجامع المقدسة بشأن قضية الألوهية – لم يكونوا يؤمنون بها في دخيلة أنفسهم إلى درجة اليقين، ما حدث من وفد نصارى نجران مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين دعاهم – بأمر ربه – إلى المباهلة:
(قل: تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) .
فقد امتنعوا عن المباهلة وانصرفوا رغم جدالهم الشديد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حول نبوة عيسى لله وألوهيته مع الله.. ولو كانوا على يقين حاسم ما امتنعوا!
وأياً كان الأمر فقد استخدمت الكنيسة كل طغيانها الروحي للحجر على العقل.. وصنعت ذلك باسم ((الدين)) !.
والدين الصحيح ليس في حاجة إلى شيء من ذلك الذي صنعته الكنيسة.. حقيقة إن في الدين الصحيح ((مسلمات)) لا تناقش، تعتبر من أصول الإيمان كما