وقد أخذ متفلسفة الإسلام تلك الآراء الفلسفية وهذبوها وشرحوها وحاولوا مزجها بالشريعة الإسلامية، ومن ذلك نظرية الفيض أو الصدور التي قال بها أفلوطين وشيعته من الاسكندرانيين، وأخذها عنهم هؤلاء المتفلسفة ممن حاول الجمع بين الشريعة والفلسفة وجعلوا الفيض أو الصدور الذي عناه هؤلاء الفلاسفة هو معنى صفة الخلق لله التي نزل بها القرآن، ومن هؤلاء الفارابي، وابن سينا.
يرى ابن سينا أن الإله عقل محض، يعقل ذاته، ففعله الأول أنه يعقل نظام الخير في الوجود وكيف ينبغي أن يكون، لا عقلاً خارجاً من القوة إلى الفعل، ولا عقلاً متنقلاً من معقول إلى معقول بل عقلاً واحداً معاً، ولما كان التعقل علة للوجود كان من الضروري أن يصدر عن تعقل الإله لذاته معلول أول هو أيضاً عقل، وهذا العقل الأول واجب بالإله ممكن بذاته وهو أيضاً يعقل الإله ويعقل ذاته، فإذا عقل الإله لزم عنه بما يعقله وجود عقل ثان تحته، وإذا عقل ذاته صدر عن تعقله لها وجود صورة الفلك الأقصى وكمالها وهي النفس، ووجود جرمية الفلك الأقصى، فالنفس تصدر عن تعقله لذاته واجبة الوجود بالإله، والجسم يصدر عن طبيعة إمكان الوجود المتدرجة من تعقله لذاته، فهناك إذن ثلاثة أشياء تفيض عن العقل الأول، العقل الثاني، وجرم الفلك الأقصى، وصورته التي هي النفس، فتحت كل عقل ثلاثة أشياء في الوجود.
والعقول المفارقة كثيرة العدة، إلا أنها ليست موجودة معاً عن الإله بل يجب أن يكون أعلاها العقل الأول، ثم يتلوه عقل ثان وثالث، ولا يزال هذا التعقل ينتج عقولاً، ونفوساً، وأفلاكاً، حتى ينتهي الإبداع عند العقل العاشر، وهو العقل الفعال المدبر لعالم الكون والفساد.
فالأمور السماوية تؤلف إذن سلسلة، كل حلقة منها تتضمن ثلاثة أشياء: العقل، والنفس، والفلك.
والإله لا يبدع إلا العقل الأول، وهذا العقل الأول يلزم عنه ثلاثة أشياء: العقل الثاني، والفلك الأقصى، ونفسه.