وذهب يوسف كرم إلى أن عبارة العقل الفعال من كلام الشراح وابتداعهم بسبب غموض كلام أرسطو في هذا المجال [1] . ومهما يكن فالخلاف حاصل بينهم لا محالة لأنهم يمشون على غير هدى من الله.
وينتهي أرسطو إلى القول بأن هناك علة أولى أو المبدأ الأول ويصفه بأنه عقل محض وعاقل ومعقول. وقد عجز في نهاية الأمر عن بيان كيفية الاتصال بين العالم الحسي والعقل الإلهي الذي تصوره، وهذا شأن الفلاسفة كلهم فهم يبنون أفكارهم على خيالات ذهنية لأنهم اعتمدوا على عقولهم وتركوا دعوة الرسل جانباً.
ولهذا نرى من جاء بعد أرسطو من الاسكندرانيين وعلى رأسهم أفلوطين وجدوا هذا التناقض العظيم بين الفلاسفة فكل منهم يخطئ الآخر، فحاولوا إصلاح تلك الفلسفة الفاسدة، وانتهى أمرهم إلى الإخفاق مثل غيرهم، وكان من ضمن محاولات أفلوطين للجمع بين رأي أفلاطون وأرسطو، القول بنظرية الفيض، وهي النظرية التي تبناها الفارابي فيما بعد ثم ابن سينا، حتى شاعت بين فلاسفة التصوف أمثال ابن عربي وابن سبعين.
ونظرية الفيض: عبارة عن تصوير صدور الموجودات عن الله أو صدور الكثرة عن الواحد.
ويرى هؤلاء [2] . أن إحداث الأشياء ما هو إلا انتشار ما في العلة الأولى من القدرة على التعقل والتأثير مع بقاء ذاتها على ما كانت عليه من السكون والكمال المتعالي عن كل نوع من التغيير والحركة، فإذا قيل: وما الباعث الذي حمل تلك العلة على إحداث العالم؟
الجواب: أنها لم تكن محتاجة إلى العالم، بل كان ذلك لما فيها من الجود وإفراط القدرة.
ثم قال أفلوطين [3] : لو لم يكن للعالم وجود، لما وجد في ذات المبدأ فرق. [1] تاريخ الفلسفة اليونانية، يوسف كرم ص 213. [2] انظر كتاب الوجد الإلهي بين انتصار العقل وتهافت المادة – ص 163 لسانتلانا. [3] المصدر نفسه 164.