حتى أن المستنفرين من بلاد الشام توجهوا في رمضان إلى بغداد عاصمة الخلافة "فأوردوا في الديوان كلاما أبكى العيون وأوجع القلوب، وقاموا بالجامع يوم الجمعة، فاستغاثوا، وبكوا، وأبكوا، وذكر ما دهم المسلمين بذلك البلد الشريف المعظم من قتل الرجال، وسبي الحريم والأولاد، ونهب الأموال، فلشدة ما أصابهم أفطروا " [1] ،
وقد ندب الخليفة الفقهاء إلى الخروج إلى البلاد ليحرضوا الملوك على جهادهم، ولكن ذلك لم يفد شيئا [2] . وقد عبر أحد الشعراء عن أحوال المسلمين وتقاعسهم عن جهاد النصارى حين احتلوا بيت المقدس في ذلك الوقت فقال من قصيدة:
وكيف تنام العين ملء جفونها ... على هفوات أيقظت كل نائم
وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم ... ظهور المذاكى أو بطون القشاعم
تسومهم الروم الهوان وأنتم ... تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
أرى أمتي لا يشرعون إلى العدا ... رماحهم، والدين واهى الدعائم (3)
ولما احتل النصارى. بيت المقدس أغاروا على ما حوله من المدن الساحلية وغيرها وتكونت لديهم عدة إمارات. أما المسلمون فقد قابلوا هذه الحملات بحركة جهاد عظيمة قادها أبطال عظام، كان لهم في إحياء روح الجهاد بين المسلمين، وتوحيد كلمتهم وبعث الغيرة على دين الله ومحارمهـ ما صار فيما بعد- غرة في جبين تاريخ المسلمين، فقاوم السلاجقة أولا ثم بدأ الجهاد آل زنكى
= فيه المسلمين، وقتل بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا" وانظر مصادر أخرى افرنجية في الحركة الصليبية (1/237-238) والعجيب أن افتخار الدولة- حاكم بيت المقدس العبيدى عند احتلال النصارى لهـ خرج هو وجنده وحدهم سالمين- لم يصابوا بأذى- بعد أن أعطاهم الفرنج الأمان! الحركة الصليبية (1/236-237) . [1] الكامل (10/284) . [2] انظر: المصدر السابق، والبداية والنهاية (12/156) .
(3) الشاعر هو: أبو المظفر الأبيوردى، والقصيدة في ديوانه (2/156) وذكرها ابن الأثير وابن كثير.