الثاني: أن الأشعري فرق في كتابه "المقالات" بين أهل الحديث، والكلابية، وهذا دليل مهم، ويلقي ظلالا من الشك في تبعيته لابن كلاب، ومع ذلك فيلاحظ ما يلي:
1- ان هذا الكتاب في مقالات أهل الإسلام، يحكي فيه الأقوال دون أن يذكر معتقده في كل مسألة يعرض لها، ولذلك لم يرد على المعتزلة أو الرافضة أو الخوارج أو المرجئة أو الجهمية أو غيرهم، بل حكى أقوالهم وسكت إلا نادرا. ومن غير المعقول- وهو الخبير بمقالات أهل الكلام- أن لا يفرد مقالات ابن كلاب أو الكلابية، وهم المتميزون عن كل من المعتزلة وأهل الحديث.
2- أن الأشعري لم يكن خبيرا بأقوال أهل الحديث، ولذلك نسب إليهم قولين ليسا من أقوال أهل الحديث- وقد سبق ذكرهما عند الحديث عن مؤلفات الأشعري ومنهجه في كتاب المقالات- ولما ذكر مقالتهم بإجمال ذكر انتسابه إليهم وقوله بقولهم، فلما ذكر مقالة ابن كلاب قال: " فأما أصحاب عبد الله ابن سعيد القطان فإنهم يقولون بأكثر ما ذكرناه عن أهل السنة" [1] ، ثم ذكر بعض أقوالهم، إذا هو لا يجعل الكلابية بعيدين عن أهل السنة والحديث.
3- إن المسألة التي تميز أهل السنة عن الكلابية وهي مسألة كلام الله والقرآن لم يذكرها الأشعري في عرضه لمقالة أهل الحديث، بل قال كلاما مجملا قصيرا، وهذا نصه: "ويقولون: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، والكلام في الوقف واللفظ: من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهبم، لا يقال: اللفظ بالقرآن مخلوق ولا يقال غير مخلوق" [2] ، لكنه لما ذكر مسألة القرآن ذكر قول ابن كلاب فيها تفصيلا [3] ، ثم ذكر أقوال غيره من المعتزلة وغيرهم، وذكر مسائل كثيرة متفرعة، ولم يذكر لنفسه أو لمن يقول بقولهم- كما يعبر أحيانا بقوله: قال أهل الحق، أو الإثبات، أو أهل الإسلام، أو أهل السنة، [1] المقا لات (ص: 298) . [2] المقا لات (ص: 292) . [3] نفسه (ص: 584) .