خوف الإطالة لسقنا فصول كلامه بحروفه، فإنه وإن أخطأ في تأويل بعض الآيات، وأجمل في بعض المواضع، فكلامه يدل على أنه مخالف للمنتسبين إليه من المتكلمين في مسألة القرآن، كما هو مخالف لهم في إثباته الاستواء، والنزول، والرؤية، والوجه، واليدين، والغضب، والرضا، وغير ذلك، وقد صرح في مقالاته [1] ، بأنه قائل بما قال الإمام أحمد ابن حنبل وأئمة الحديث، معتقد ما هم عليه، مثبت لما أثبتوه، محرم ما أحدث المتكلمون من تحريف الكلم عن مواضعه وصرف اللفظ عن ظاهره، وإخراجه عن حقيقته، وبالجملة فبينه وبين المنتسبين اليه بون بعيد، بل هو برىء منهم، وهم منه براء، والموعد الله وكفي بالله حسيبا، وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الا بالله" [2] . هذه أدلة الذين يرون رجوع الأشعري رجوعا كاملا الى مذهب السلف.
الذين يرون أنه بقى كلابيا:
أما الذين يرون أنه بقى كلابيا ولم يكن رجوعه كاملا فأشهرهم ابن حزم [3] ، وعبد الجبار الهمذاني [4] ، وشارح الطحاوية ابن أبي العز [5] ، وهو قول ابن تيمية وابن القيم، وهذه بعض أقوالهما في ذلك- أما شارح الطحاوية فهو ناقل عنهما-:
1- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأبو الحسن الأشعري لما رجع عن مذهب المعتزلة سلك طريقة ابن كلاب، ومال الى أهل السنة والحديث، وانتسب إلى الامام أحمد، كما قد ذكر ذلك في كتبه كلها، كالإبانة والموجز والمقالات وغيرها، وكان مختلطا بأهل السنة والحديث كاختلاط المتكلم [1] أى أقواله في الإبانة، لا كتاب المقالات. [2] معارج القبول (1/344-346) ، وقد علق محب الدين الخطيب هنا في الحاشية بما يؤيد قول المؤلف. [3] في الفصل (3/25) - المحققة، ونسب الى الأشعري أنه يقول: إن القرآن أزلي مع الله لم يفارقه، ولا أنزل إلينا ولا سمعناه قط!، لكنه قبل ذلك ذكر قول أتباع الأشعري فيه. [4] في شرح الأصول الخمسة، انظر: (ص: 528) . [5] في شرح الطحاوية (ص: 180) - ط- المكتب الإسلامي.