مثل الكافر- بالميت والأعمى والأصم، والظلمة والحرور " [1] ، فمنهج الرسل على الضد من منهج المتكلمين الذين يبدأون بالأمور النظرية فيبدأون بإثبات الصانع ثم النبوات ثم السمعيات، وقد تختلط عليهم الأدلة في أول الطريق أو في وسطها أو في آخرها فلا يصلون إلى المقصود، أما الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم جميعا- فيبدأون من حيث ينتهي الفلاسفة، فإذا كان قصارى ما ينتهي إليه هؤلاء إثبات أن هذا العالم لابد له من خالق، فالأنبياء يبينون لأممهم أنه يجب عبادة الله وحده لا شريك له ما دامت قضية الإترار به وبوجوده مسلمة للجميع. وخلاصة هذا الدليل: أن عبادة الله والإخلاص هي الأساس وهي الموصلة
إلى تصديق رسلهـ والله أيدهم بما يدل على صدقهم من المعجزات وغيرها- فإذا تمت الشهادتان: الألوهية والرسالة، كان ما جاء به هؤلاء الرسل من أمر أو خبر هو الحق الذكط يعتصم به المؤمنون وإذا كان المتصوفة على عكس المتكلمين والفلاسفة، فإن أهل الحق والايمان لا يعتمدون على ما يخطر بقلوبهم من خواطر مطلقا، وإنما يزنونها بالكتاب والسنة، ولا يقدمون عليهما شيئا من الأدلة أو الخواطر، ولذلك فما لا أوتيه علماء أهل الحديث وخواصهم من اليقين والمعرفة والهدى فأمر يجل عن الوصف، ولكن عند عوامهم من اليقين والعلم النافع ما لم يحصل منه شيء لأئمة المتفلسفة والمتكلمين، وهذا ظاهر شهود لكل أحد " [2] .
ب- وهناك دليل آخر وهو دليل الفطرة التي فطر الله الناس جميعا عليها، لأن الإنسان خلقه الله تعالى متميزا عن غيره من الخلوقات، فعنده الشعور والإحساس ولديه الإرادة والحركة، ففي الشعور والإدراك يميز بين الحق والباطل والصدق والكذب، وبالارادة والحركة يحب ويبغض فيحب ما ينفعه ويميل إليه، ويبغض ما يضره وينفر منه، وهذه هي الفطرة [3] ، يقول شيخ الاسلام: " والله سبحانه [1] مجموع الفتاوى (2/16) . [2] نقض المنطق (ص: 26) . [3] انظر: المصدر السابق (ص: 29) .