هذه الروح العلمية التجريبية التي أتسمت بها فلسفة ابن تيمية إلا أن نقرر أنه لو قدر لهذه الفلسفة أن توضع في قالب منهجي لعد ابن تيمية- بحق- على رأس الفلاسفة التجريبيين، وحسبه أنه وضع الأفكار في وقت كانت فيه أوربا ترسف في أغلال الجهل وتعاني من جود الفكر النظري طوال العصور الوسطى " [1] .
وإذا كانت مثل هذه القضايا أثارت إعجاب هؤلاء الباحثين بشيخ الإسلام فإن الذى أثار إعجاب تلامذة ابن تيمية- من عصره وإلى اليوم- ما عمل رحمه الله من الدعوة إلى العودة إلى مذهب السلف، ونهجهم، ومن ذلك: المنهج الشرعي للاستدلال، الذى تنكبه الفلاسفة والمتكلمون قديما وتلامذتهم حديثا- وهذا ما نشير إليه في الفقرة التالية.
5- من أصول الاستدلال وطرق المعرفة الكبرى: الطريق والدليل الشرعي، ولكن ما الدليل الشرعي؟ هل هو مقتصر على ما أفاده الخبر بنصه فقط، أو ما يسميه البعض الدليل السمعى، المختص بما لا يمكن العلم به إلا بالسمع وخبر الصادق، لقد فهم كثير من أهل الكلام هذا، ورأوا أن الشرع- من الكتاب والسنة- ليس فيه أدلة عقلية، وإنما أخبار عن مغيبات يجب التصديق بها، وغفل هؤلاء عن الأدلة القرآنية الكثيرة التي فيها مجادلة ومحاجة المنكرين للألوهية والنبوة، والبعث وغيرها، وهؤلاء المنكرون من مشركي العرب وأهل الكتاب وغيرهم لم يكونوا مقرين بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا بما نزل عليه من الكتاب، ولذلك كان من أصول منهج شيخ الاسلام- في كتبهـ التركيز على المنهج الشرعي وينبه إلى غلط أهل الكلام في حصرهم لهم في خبر الصادق فقط يقول: " الدليل الشرعي قد يكون سمعيا وقد يكون عقليا، فإن كون الدليل شرعيا يراد به:
أ- كون الشرع أثبته ودل عليه.
ب- ويراد به كون الشرع أباحه وأذن فيه. [1] المدرسة السلفية (ص: 449) ومؤلفه: محمد عبد الستار نصار، وانظر: مناهج البحث للنشار (ص: 166، 173، 178) .