أهل السنة والحديث على وجه الإجمال ويحكيه بحسب ما يظنه لازما، ويقول: إنه يقول بكل ما قالوه، وإذا ذكر مقالات أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم حكاها حكاية خبير بها عالم بتفاصيلها، وهؤلاء كلامهم نافع في معرفة تناقض المعتزلة وغرهم، ومعرفة فساد أقوالهم، وأما في معرفة ما جاء به الرسول، وما كان عليه الصحابة والتابعون فمعرفتهم بذلك قاصرة.
وإلا فمن [1] كان عالما بالآثار، وما جاء عن الرسول وعن الصحابة والتابعين من غير حسن ظن بما يناقض ذلك لم يدخل مع هؤلاء. إما لأنه علم من حيث الجملة أن أهل البدع الخالفين لذلك مخالفون للرسول قطعا، وقد علم أنه من خالف الرسول فهو ضال، كأكثر أهل الحديث. أو علم مع ذلك فساد أقوال أولئك وتناقضها كما علم أئمة السنة من ذلك ما لا يعلمه غيرهم كمالك ... [عدد جمهرة من أئمة أهل السنة ثم قال،: ومن لا يحصى عدده إلا الله من أئمة الإسلام وورثة الأنبياء وخلفاء الرسل، فهؤلاء كلهم متفقون على نقيض قول النفاة، كا تواترت الآثار عنهم وعن غيرهم من أئمة السلف بذلك، من غير خلاف بينهم في ذلك" [2] .
إن هذا التقسيم المبني على الاستقراء الجيد لأقوال وكتب هؤلاء يجيب عن كثير من الأسئلة التي ترد في نفس المسلم- المتمسك بمذهب السلف- وفي قوله، ومن أهمها: كيف وقع هؤلاء العلماء في حبائل علم الكلام ومسائله وقالوا بها؟ وكيف يجمع بين اهتمامهم بالسنة وروايتها، وبين اعتقادهم لأقوال أهل البدع وكثير منها حرب على السنة وما جاء فيها؟. ثم لماذا يتردد بعض هؤلاء في هذه المسائل فتارة يرجحون مذهب السلف، وتارة يميلون إلى أقوال أخرى مخالفة له؟. هذه الأسئلة وغيرها يتضح الجواب عنها من خلال حكم ابن تيمية على هؤلاء العلماء والمعرفة بأحوالهم والاعتراف لهم بما عندهم من العلم والنية الصادقة، " ومن المعلوم- بعد كمال النظر واستيفائهـ أن كل من كان [1] هذا قسم أهل السنة. [2] درء التعارض (2/32-37) .