" ولا والله ما رأيت منهم أحدأ ممن صنف في هذا الشأن وادعى علو المقام إلا وقد ساعد بمضمون كلامه في هدم قواعد دين الإسلام، وسبب ذلك إعراضه عن الحق الواضح المبين، وعن ما جاءت به الرسل الكرام عن رب العالمين، واتباعه طرق الفلسفة في الاصطلاحات التي حموها بزعمهم: حكميات، وعقليات، وإنما هي جهالات وضلالات، وكونه التزمها معرضا عن غيرها أصلا، فغلبت عليه حتى غطت على عقله السليم، فتخبط حتى خبط فيهاخبط عشواء، ولم يفرق بين الحق والباطل وإلا فالله أعظم لطفا بعباده أن لا يجعل لهم عقلا يقبل الحق ويثبته، ويبطل الباطل وينفيه، لكن عدم التوفيق وغلبة الهوى أوقع من أوقع في الضلال، وقد جعل الله تعالى العقل السليم من الشوائب ميزانا يزن به العبد الواردات فيفرق به بين ما هو من قبيل الحق وما هو من قبيل الباطل، ولم يبعث الله الرسل إلا إلى ذوي العقل، ولم يقع التكليف إلا مع وجوده، فكيف يقال: إنه مخالف لبعفما جاءت به الرسل الكرام عن الله تعالى؟
هذا باطل قطعا، يشهد له كل عقل سليم لكن {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} [النور:40] .
" قال الشيخ الإمام قدس الله روحه: فهذا ونحوه هو الذي أوجب أني صرفت جل همي إلى الأصول، وألزمني أن أوردت مقالاتهم، وأجبت عنها بما أنعم الله تعالى به من الأجوبة النقلية والعقلية " [1] .
فابن تيمية يرى أن سبب تركيزه على هذه الجوانب وإطالة النفس فيها ما رأى عند هذه الطوائف من ضلالات ترمى إفى زعزعة العقيدة ثم الشريعة، وأن الذين ردوا عليها من أهل الكلإم- اتبعوا طرق واصطلاحات الفلاسفة- فساعدوا بمضمون كلامهم في هدم قواعد دين الاسلام، فرأى أنه لابد من بيان الحق للناس صافيأ والرد على هذه المقالات بالأدلة النقلية والعقلية.
2- وفي مناسبة يعلل ابن تيمية السبب في ذكر حجج الفلاسفة والرد عليها طويلا، ويبين أن كل من كان بفساد الباطل أعرف كان بصحة الحق أعرف [1] الأعلام العلية (ص: 33- هـ 3) .