لقد كان شيخ الإسلام صاحب منهج واضح، وقد وظف هذا المنهج في جميع ما كتب، فما تغيرت طريقته ولا وقع في التناقض كما حدث لغيره. ولا نريد أن نقارن بينه وبين الغزالي- مثلا- كما فعل بعضهم، لأن الغزالي وإن كان قد رد على الفلاسفة والباطنية، إلا أنه لم يكن مستمرا على منهج واحد ثابت، ولذلك تقلبت به الأحوال كثيرا.
ولكن نقارن بين شيخ الإسلام وعلم آخر، كان صاحب منهج، سطر منهجه في كتبه،؟ كان صاحب آراء اجتهادية وأصولية جدد فيها تجديدا جعله من أعلام هذا العلم، وهذا الإمام هو أبو إسحاق الشاطبى المتوفي سنة 790 هـ [1] أي بعد وفاة ابن تيمية بما يزيد قليلا عن ستين عاما، فهذا الإمام كانت له جهود مشكورة في مجالات متعددة، أهمها جانبان:
أحدها: التجديد في مجال " أصول الفقه "، والتركيز على مسائل المصالح المرسلة، وبيان كمال هذه الشريعة، وشرح الكليات المتضمنة لمقاصد الشارع في وضع الشريعة، كما طرق مباحث أصول الفقه وربطها بتلك الكليات والمقدمات فجاءت مباحث هذا الكتاب فريدة في منهجها وأسلوب عرضها.
والآخر: التجديد في مجال تمحيص السنة ورد البدعة، وقد كانت له مواقف عملية في هذا الجانب، ولما رأى الناس في عصرهـ مالوا إلى ما أحدثه متصوفة عصره وغيرهم من البدع في الأذكار والعبادات وإقامة الموالد وغيرها- أيقن أنه لابد من الرجوع إلى الأصول الشرعية لتمييز ما هو من قبيل الشرع موافق لأصوله وأدلته، عن ما هو من قبيل البدع التى حرمها دين الاسلام ونهى عنها، فجاء كتاب " الاعتصام " فريدا في أسلوبه ومنهجه، فعرض بشكل مفصل لقضايا البدع [1] هو: الامام إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشاطبي، صاحب الموافقات والاعتصام والافادات والانشادات وغيرها، توفي سنة 790 هـ، انظر: برنامج المجارى (ص: 116) ، ونيل الابتهاج بحاشية الديباج (ص: 46) ، وفهرس الفهارس (1/ 191) ، وشجرة النور الزكية (1/ 231) ، والفكر السامي (2/248) ، وانظر أوفى ترجمة له في مقدمة تحقيق الفتاوى للشاطبي: لمحمد أبو الأجفان (ص:19 - 64)