وفتح باب القلعة لمن يدخل من الخواص والأصحاب والأحباب، فاجتمع عند الشيخ في قاعته خلق من أخصاء أصحابه من الدولة وغيرهم من أهل البلد والصالحية، فجلسوا عنده يبكون ويثنون [1] .
" ثم شرعوا في غسل الشيخ ... ولم يدعوا عنده إلا من ساعد في غسله منهم شيخنا الحافظ المزي وجماعة من كبار الصالحين الأخيار، أهل العلم والإيمان، فما فرغ منه حتى امتلأت القلعة رجنح الناس بالبكاء والثناء والدعاء والترحم، ثم ساروا به ... إلى الجامع الأموى والخلائق فيه بين يدي الجنازة وخلفها وعن يمينها وشمالها ما لا يحصى عدتهم إلا الله تعالى، فصرخ صارخ وصاح صائح: هكذا تكون جنائز أئمة السنة، فتباكى الناس، وضجوا عند سماع هذا الصارخ، ووضع الشيخ في موضع الجنائز مما يلي المقصورة، وجلس الناس من كثرتهم وزحمتهم على غير صفوف بل مرصوصين رصا، لا يتمكن أحد من السجود إلا بكلفة، جو الجامع ويرى الأزقة والأسواق، وذلك قبل أذان الظهر بقليل، وجاء الناس من كل مكان، ونوى خلق الصيام لأنهم لا يتفرغون هذا اليوم لأكل ولا لشرب، وكثر الناس كثرة لا تحد ولا توصف، فلما فرغ من أذان الظهر أقيمت الصلاة عقبه على السدة خلاف العادة، فلما فرغوا من الصلاة خرج نائب الخطيب- لغيبة الخطيب بمصر- فصلى عليه إماما، وهو الشيخ علاء الدين الخراط، ثم خرج الناس من كل مكان من أبواب الجامع والبلد ... واجتمعوا بسوق الخيل " [2] في أرض فسيحة فوضعت الجنازة وتقدم للصلاة عليه هناك أخوه زين الدين عبد الرحمن ثم حملت جنازته إلى قبره، ودفن بمقابر الصوفية إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله قبيل العصر- رحمهم الله جميعا-. ثم صاروا يتناوبون بالصلاة عليه في قبرهـ ممن لم يتمكن من الصلاة عليه في المرات السابقة-، وما وصل خبر موته إلى بلد إلا وصلى عليه في جميع جوامعه [1] انظر: البداية والنهاية (14/138) . [2] المصدر السابق (14/138-39 1) .