إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة " [1] ويقول ابن القيم: " وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندى شكر هذه النعمة، أو قال: ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا، وكان يقول في سجوده وهو محبوس:" اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" ما شاء الله، وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه " [2] ويقول ابن القيم أيضا: "وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط مع ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والارهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا، وأشرحهم صدرا وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض، أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة " [3] . ويقول ابن القيم عن ذكره لربه: " وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله تعالى روحه يقول: " الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء.. وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إلي وقال: " هذه غدوتي ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي " [4] . حادي عشر: وفاته:
لما أخرجت الكتب والأوراق والدواة والقلم من عند شيخ الإسلام في القلعة في يوم الاثنين تاسع جمادى الآخر سنة 728 هـ، تفرغ الشيخ للعبادة وقراءة القرآن واستمر على هذه الحال حتى توفي في ليلة الاثنين العشرين من ذى القعدة من هذه السنة 728 هـ. وكانت وفاته على أثر مرض ألم به أياما يسيرة، [1] الوابل الصيب (ص: 60) ط دار البيان. [2] المصدر السابق (ص: 61) . [3] المصدر السابق، نفس الصفحة. [4] المصدر نفسه (ص: 53-54) .