ثم أقام ابن تيمية في القاهرة إلى سنة 712 هـ يفتي ويدرس ويؤلف والناس والأكابر يترددون عليه، وكتب إلى أقاربه بدمشق يقول: " والحق دائما في انتصار وعلو وازدياد، والباطل في انخفاض وسفال ونفاد، وقد أخضع الله رقاب الخصوم وأذلهم غاية الذل، وطلب أكابرهم من السلم والانقياد ما يطول وصفه. ونحن- ولله الحمد- قد اشترطنا عليهم في ذلك من الشروط ما فيه عز الإسلام والسنة، وانقماع الباطل والبدعة، وقد دخلوا في ذلك كله وأقنعنا حتى يظهر ذلك إلى الفعل، فلم نثق لهم بقول ولا عهد ولم نجبهم إلى مطلوبهم حتى يصير المشروط معمولا والمذكور مفعولا، ويظهر من عز الإسلام والسنة للخاصة والعامة ما يكون من الحسنات التي تمحو سيئاتهم، وقد أمد الله من الأسباب التى فيها عز الإسلام والسنة وقمع الكفر والبدعة بأمور يطول وصفها في كتاب!.
" وكذلك جرى من الأسباب التي هى عز الإسلام وقمع اليهود والنصارى بعد أن كانوا قد استطالوا وحصلت لهم شوكة، وأعانهم من أعانهم على أمر فيه ذل كبير من الناس، فلطف الله باستعمالنا في بعض ما أمر الله به ورسوله وجرى في ذلك مما فيه عز المسلمين وتأليف قلوبهم، وقيامهبم على اليهود والنصارى وذل المشركين وأهل الكتاب مما هو من أعظم نعم الله على عباده المؤمنين، ووصف ذلك يطول، وقد أرسلت إليكم كتابا أطلب ما صنفته في أمر الكنائس وهي كراريس بخطي.." [1] .
وكتب الشيخ- إلى والدتهـ كنابا يمتلىء رقة وحنانا ويعتذر لها عن بقائه في مصر، وعدم عودته إلى الشام ومما قاله لها:" وتعلمون أن مقامنا الساعة في هذه البلاد إنما هو لأمور ضرورية متى أهملناها فسد علينا أمر الدين والدنيا ولسنا والله مختارين للبعد عنكم، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه، وأنخ لو اطلعغ على باطن الأمور، فإنكم ولله الحمد ما تختارون الساعة إلا ذلك، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهرا واحدا، بل كل يوم نستخير الله لنا ولكم، وادعوا لنا بالخيرة 000" [2] . [1] العقود (ص: 284- 285) . [2] العقود (ص: 257-258) ، ومجموع الفتاوى (28/49- 50) .