ويقال: إن النائب أشار على الشيخ بترك التوجه إلى مصر، وأنه يكاتب في ذلك فامتنع الشيخ من ذلك ولم يقبل، وذكر أن في توجهه إلى مصر مصالح كثيرة [1] . ولما توجه ابن تيمية إلى مصر- ازدحم الناس لوداعه وكان يوما مشهودا - فلما كان يوم الخميس 22 رمضان وصل مع القاضي ابن صصري إلى القاهرة، وفي ثاني يوم بعد صلاة الجمعة جمع القضاة وأكابر الدولة في القاعة لمحفل، وادعى عليه القاضي ابن مخلوف المالكي [2] أنه يقول بالاستواء وأن الله يتكلم بحرف وصوت، فأخذ ابن تيمية في حمد الله والثناء عليه، فقيل له: أجب، ماجئنا بك لتخطب، فقال: ومن الحاكم فى، فقيل له القاضي المالكي، قال: كيف يحكم في وهو خصمي؟ وغضب غضبا شديدا وانزعج، فحبس في برج مرسما [3] عليه أياما، وفي ليلة عيد الفطر نقل إلى الحبس المعروف بالجب (4)
هو وأخواه شرف الدين عبد الله وزين الدين عبد الرحمن وبقى في السجن عاما كاملا وقرىء تقليد في الشام ومصر بالحط على ابن تيمية ونحالفته في العقيدة، في ليلة عيد الفطر سنة 706 هـ اجتمع نائب السلطنة سيف الدين سلار [5] بالقضاة والفقهاء وتكلم في إخراج الشيخ من السجن فاتفقوا على أن يشترط عليه أمور وأن يرجع عن بعض العقيدة، فأرسلوا إليه من يحضره ليتكلموا معه فأبى أن يحضر، وتكرر إليه الرسول ست مرات وصمم على عدم الحضور فطال عليهم المجلس ثم انصرفوا من غير شىء. [1] انظر: العقود الدرية (ص: 249) ، والبداية والنهاية (14/37-38) . [2] على بن مخلوف بن ناهض بن مسلم النوووي المالكي قاضي القضاة- ولد صنة 634 هـ وتوفي سنة 718 هـ، انظر: توشيح الديباج للقراني (ص: 162) ، رو دار الغرب- والبداية والنهابة (14/ 90) ، والدرر الكامنة (3/202) . [3] الترسيم معناه تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، ويكون في السجن غالبا، والبرج - أحد السجون في القاهرة- وكان الذى سجن فيه ابن تيمية بحارة الديلم في القاهرة، انظر نظم دولة ملاطين المماليك- النظم السياسية (ص: 136) ، والسلوك (2/18) .
(4) سجن الجب كان بالقلعة، وكان يحبس فيه الأمراء وكان مهولا مظلما، كريه الرائحة يقاسي المسجون فيه ما هو كالموت وأضد منه. انظر: الخطط (2/213) وو بولاق.. [5] كان نائبا للسلطنة سنة 698 هـ، ئم قتل سنة 0 71 هـ، انظر: البداية والنهاية (14/ 58-59) .