رابعا: سقوط الخلافة العباسية في بغداد وإحياؤها في القاهرة:
سبق أن أشرنا إلى سقوط الخلافة العباسية في بغداد على يد التتار وذكرنا - فيما سبق- إشارة سريعة إلى إعادتها في القاهرة سنة 659 هـ على يد الظاهر بيبرس [1] . وقد يقول قائل: إذا كانت إعادة الخلافة الإسلامية تحولت إلى إعادة شكلية لأن الأمور كلها- ومنها تحديد الخليفة- بيد السلطان، فما فائدة الاهتمام بهذه المسألة؟. والجواب على ذلك أنه حتى في العهود العباسية المتأخرة أصبحت السلطة كلها بيد الوزراء- مثل بنى بويه، والسلاجقة- ولم يكن للخليفة إلا الاسم، ومع ذلك لما قضي على الخلافة حزن الناس على ذلك وصاروا يذكرون الأمور الهائلة التي جرت وعلى رأسها قتل الخليفة ثم بقاء المسلمين بلا خليفة، ولذلك فبقدر هذا الحزن كان استبشارهم بإحيائها في القاهرة، فالخلافة عند المسلمين رمز للوحدة واتباع شرع الله في تعيين إمام للمسلمين، ولذلك لما قامت الخلافة في القاهرة صار بعض الملوك في الأقاليم البعيدة يرسلون إلى الخليفة يطلبون منه أن يقرهم على ملكهم وأن يكونوا تابعين له حتى يحظوا بالشرعية أمام شعوبهم [2] . ولا شك أن هناك أسبابا دعت المماليك إلى إعادة الخلافة ولعلها تتضح فيما يلي:-
1- أن فكرة إعادة الخلافة- كانت في البداية- على أساس أن الخليفة إذا بويع له فإن مهمته تبدأ بالعودة إلى بغداد وتخليصها من التتار وإعادة الخلافة هناك، والدليل على ذلك شيئان: أولهما: أن بعض الروايات تذكر أن المظفر قطز بايع في الشام الحاكم بأمر الله، وأرسل معه جماعة من أمراء العرب، وأن الخليفة سار وافتتح بعض المدن- جهة العراق- وأنه قاتل التتار وانتصر عليهم، وأن نائب دمشق استدعاه، وأن الظاهر بيبرس- بعد توليهـ استدعاه ولكنه علم أن المستنصر العبايي سبقه إلى القاهرة فلم يذهب إليها ولكن رجع إلى حلب [1] يذكر السيوطي أن المظفر قطز هو أول من فكر في ذلك وأنه بايع فعلا أبا العباس الحاكم بأمر الله في دمشق- الذي تولى فيما بعد سنة 661 هـ. تاريخ الخلفاء (ص: 760) . [2] من هؤلاء: محمد بن تغلق، انظر: رحلة بن بطوطة (2/523) ، وانظر: الاسلام والخلافة: علي الخربوطلي (ص: 248-252) .