responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معارج القدس في مدارج معرفه النفس المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 34
وَأما الَّذِي يتَوَهَّم من أَن النَّفس تنسى ولاتفعل فعلهَا مَعَ مرض الْبدن وَعند الشيخوخة وان ذَلِك بِسَبَب أَن فعلهَا لَا يتم إِلَّا بِالْبدنِ فَظن غير ضَرُورِيّ وَلَا حق وَذَلِكَ أَنه بعد مَا صَحَّ لنا أَن النَّفس تفعل بذاتها يجب أَن يطْلب السَّبَب فِي هَذَا فان كَانَ قد يُمكن أَن يجْتَمع أَن للنَّفس فعلا بذاتها وانها أَيْضا تتْرك فعلهَا مَعَ مرض الْبدن وَلَا تفعل من غير تنَاقض فَلَيْسَ لهَذَا الِاعْتِرَاض اعْتِبَار
فَنَقُول إِن النَّفس لَهُ فعلان فعل لَهُ بِالْقِيَاسِ إِلَى الْبدن وَهُوَ السياسة وَفعل بِالْقِيَاسِ إِلَى ذَاته وَإِلَى مبادئه وَهُوَ التعقل وهما متعاندان متمانعان فَإِنَّهُ إِذا اشْتغل باحدهما انْصَرف عَن الآخر ويصعب عَلَيْهِ الْجمع بَين الْأَمريْنِ وشواغله من جِهَة الْبدن الاحساس والتخيل والشهوات وَالْغَضَب وَالْخَوْف وَالْغَم والوجع وَأَنت تعلم هَذَا بأنك إِذا أخذت تفكر فِي مَعْقُول تعطل عَلَيْك كل شَيْء من هَذِه إِلَّا أَن تغلب وتقسر النَّفس بِالرُّجُوعِ الى جهاتها
وَأَنت تعلم أَن الْحس يمانع النَّفس عَن التعقل إِذا أكبت على المحسوس من غير أَن يكون أصَاب آلَة التعقل أَو ذَاتهَا آفَة بِوَجْه وَتعلم أَن السَّبَب فِي ذَلِك هُوَ اشْتِغَال النَّفس بِفعل دون فعل فَلهَذَا السَّبَب مَا يتعطل أَفعَال الْعقل عِنْد الْمَرَض وَلَو كَانَت الصُّورَة المعقولة قد بطلت وفسدت لأجل الْآلَة لَكَانَ رُجُوع الْآلَة إِلَى حَالهَا يحوج إِلَى اكْتِسَاب من الرَّأْس وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فَإِنَّهُ قد تعود النَّفس إِلَى ملكتها وهيأتها عَاقِلَة بِجَمِيعِ مَا عقلته بِحَالهِ فقد كَانَت إِذا كلهَا مَعهَا إِلَّا أَنَّهَا كَانَت مَشْغُولَة عَنهُ وَلَيْسَ اخْتِلَاف جهتي فعل النَّفس فَقَط يُوجب فِي أَفعاله التمانع بل تكْثر أَفعَال جِهَة وَاحِدَة قد يُوجب هَذَا بِعَيْنِه فان الْخَوْف يغْفل عَن الوجع والشهوة تصد عَن الْغَضَب وَالْغَضَب يصرف عَن الْخَوْف وَالسَّبَب فِي جَمِيع ذَلِك وَاحِد وَهُوَ انصراف النَّفس بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى أَمر وَاحِد وَكلهَا قوى النَّفس الْوَاحِدَة وَهِي ملكهَا والقوى رعيتها وجنودها فاذا لَيْسَ يجب اذا لم يفعل شَيْء فعله عِنْد اشْتِغَاله بِحَالَة لشَيْء أَن لَا يكون فَاعِلا فعله إِلَّا عِنْد وجود ذَلِك الشَّيْء

اسم الکتاب : معارج القدس في مدارج معرفه النفس المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 34
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست