اسم الکتاب : مختصر معارج القبول المؤلف : آل عقدة، هشام الجزء : 1 صفحة : 13
3- الميثاق الثالث: وهو مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتْ بِهِ الْكُتُبُ تَجْدِيدًا لِلْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ، وَتَذْكِيرًا بِهِ {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بعد الرسل} [1] ، فالحجة قائمة على بني آدم بإرسال الرسل الذين ذكروا بذلك الميثاق لا بالميثاق نفسه إذ ذاك فهم لا يذكرونه، فكيف يحتج سبحانه على أحد بشيء لا يذكره. وقد أيد الله رسله بالمعجزات والبراهين على صدقهم فَمَنْ أَدْرَكَ هَذَا الْمِيثَاقَ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى فطرته قبله وقام به دون تردد، ومن كان قد انحرف عن فطرته فتلك المعجزات والبراهين مع الرسل، وما لديهم من إقناع فيها الحجة الكافية عليهم إن لم يؤمنوا، فمن وفى بالميثاق دخل الجنة وإلاّ فالنار أولى به. وأما من لم يدرك الْمِيثَاقَ بِأَنْ مَاتَ صَغِيرًا قَبْلَ التَّكْلِيفِ مَاتَ عَلَى الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى الْفِطْرَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ مَعَ آبَائِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانَ عَامِلًا لَوْ أَدْرَكَهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اللَّهُ تَعَالَى إِذْ خَلَقَهُمْ أَعْلَمُ بِمَا كانوا عاملين) [2] . [1] النساء: 165. [2] اعلم أن من لم يدرك هذا الميثاق فهو أحد خمسة أنواع: أصم أو هرم أو أحمق أو من أهل الفترة أو طفل مات صغيراً.
فأما الأربعة الأولون فحكمهم مبين في حديث الأسود بن سريع وأبي هريرة: (أربعة يجتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة. فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب جاء الإسلام وما أعقل شيئاً والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها سحب إليها) رواه أحمد وابن حبان. وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير، الطبعة الأولى رقم 894. وأما الطفل، فإن كان من أولاد المسلمين فمن أهل الجنة بغير خلاف لأنه مات على الفطرة وقد رآهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، ول يرد ما يعكر على ذلك إلا ما ذكر في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله طوبى لهذا، لم يعمل شرًا ولم يدر به، (أو: لم يدرِه) فقال: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ خلق الجنة وخلق لها أهلاً، وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم) فهذا الحديث رواه أبو داود، ورواه الإمام أحمد وطعن فيه وقال: من يشك أن أولاد المسلمين في الجنة، وقال أيضاً: إنهم لا اختلاف فيهم، وأما مسلم فأورده في صحيحه وقال النووي: أجمع من يعتد به علماء المسلمين أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفاً، وتوقف بعض من لا يعتد به لحديث عائشة هذا، وأجاب العلماء بأنه لعلّه نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع، ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في هذه الجنة. اهـ.
= وأما إن كان الطفل من أطفال المشركين ففيه ثمانية أقوال، ذكرها ابن القيم رحمه الله ورجح أنهم يمتحنون في الآخرة فمن أطاع منهم أدخله الله الجنة ومن عصى عذبه، واستأنس لهذا بما سبق أن ذكرنا من حديث الأسود وأبي هريرة في الأربعة الذين يحتجون يوم القيامة، قال: وهي أحاديث يشد بعضها بعضاً.
*وهناك قول آخر من تلك الأقوال - ولعلّه الصواب والله أعلم- وهو أنهم في الجنة. قال النووي: وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون، واحتج هؤلاء بقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} [الإسراء:15] ، وبحديث سمرة الصريح الذي رواه البخاري في الرؤيا التي رآها عليه الصلاة والسلام، وفي آخره: (وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة) . قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وأولاد المشركين) وأجابوا عن حديث: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدار من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم، فقال (هو منهم) - والحديث في الصحيحين، وفي لفظ لهما: (هم من آبائهم) - قالوا: هذا ليس فيه أنهم في النار، وإنما فيه أنهم تبع لآبائهم في الحكم، وأنهم إذا أصيبوا في البيات - لا على الانفراد - لم يضمنوا بدية ولا كفارة.
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين: (الله أعلم بما كانوا عاملين) فلعله قال ذلك قبل أن يعرفه الله حكمهم- كما قالوا في حديث عائشة والله أعلم -.
وأما حديث خديجة الذي سألت فيه عن أولادها الذين ماتوا قبل الإسلام فقال لها: (إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار) . فحديث باطل لا يصح، وقال ابن تيمية: موضوع.
انظر شرح ابن قيم الجوزية على سنن أبي داود الجزء الثاني عشر من عون المعبود ص483-493.
وقد صحح بعض العلماء حديث: (أطفال المشركين خدم أهل الجنة) .
انظر صحيح الجامع الصغير / الطبعة الأولى / حديث 1035.
اسم الکتاب : مختصر معارج القبول المؤلف : آل عقدة، هشام الجزء : 1 صفحة : 13