بذنبهم وقيام حجة الله عليهم، وعندما يسمع الخزنة اعترافهم وإقرارهم بذنبهم يقولون لهم: على وجه الإهانة والإذلال {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} فيخبرونهم بأن لهم الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي الذي لا يظعنون منه ولا يفتر عنهم ساعة ولا ينظرون لأنهم تكبروا عن الحق فجازاهم الله من جنس عملهم بالإهانة والذل والخزي والندامة"1.
وهذا الحوار يجري بين خزنة جهنم، وبين الكفار عندما يساقون إليها أفواجاً وجماعات متفرقة بعضها في أثر بعض وقد بين الله ـ تعالى ـ أن عدد خزنة جهنم تسعة عشر.
قال تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} 2 وقد استهان بعض المشركين بهذا العدد، فقد روى ابن جرير بسنده إلى ابن عباس لما نزل قوله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} إلى قوله {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} 3 أن أبا جهل لما سمع ذلك قال لقريش: ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر، وأنتم الدهم4 أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم5 فرد الله عليه وعلى أمثاله بأن خزنة جهنم ليسوا رجالاً وإنما هم من الملائكة الغلاظ الشداد الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون بقوله ـ عز شأنه ـ {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً} .
قال ابن زيد: ما جعلناهم رجالاً فيأخذ كل رجل رجلاً كما قال هذا يعني ـ أبا جهل ـ وإنما جعل الله الخبر عن عدة خزنة جهنم فتنة للذين كفروا لتكذيبهم بذلك وقول بعضهم أنا أكفيكموهم.
قال مجاهد: قوله {تِسْعَةَ عَشَرَ} قال: جعلوا فتنة.
1- انظر جامع البيان 24/34، تفسير البغوي على حاشية "تفسير الخازن" 6/71 ـ 72، تفسير ابن كثير 6/112، وانظر "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" 7/45 ـ 46.
2- سورة المدثر آية: 26 ـ 30.
3- سورة المدثر آية: 30 ـ 31.
4- الدهم: العدد الكثير. النهاية 2/145.
5- جامع البيان 29/159.