وقد ثبت في كثير من آيات الكتاب العزيز والسنة المطهرة وإجماع علماء الإسلام أن ـ الباري سبحانه ـ سيؤتي كل عبد من عباده يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً ويقال له: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً فيقرأ في كتابه ذلك كلما قدمه في الدنيا من الخير والشر ويجد أن الملائكة قد سجلت كلما عمله فلم يتركوا منه صغيرة ولا كبيرة إلا دوّنوها في ذلك الكتاب ويكون الإنسان حسيب نفسه يوم القيامة، كما أخبرنا ـ الرب جل وعلا ـ بذلك في كتابه الكريم {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} 1.
وقد جعل الله مع كل إنسان ملكين يراقبانه ويحصيان عليه أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، فالذي عن يمينه مهمته كتابة الحسنات، والذي عن يساره مهمته كتابة السيئات، يراقبانه في كل صغيرة وكبيرة ويجازى على كل صغيرة وكبيرة عملها يوم القيامة ولأهمية كتاب الأعمال أكثر القرآن من ذكره ونوه بشأنه ليتنبه العباد له، وليتحرزوا من أن يكتب عليهم فيه ما لا يرضى ـ الرب جل شأنه ـ وعندما نمعن النظر في آيات القرآن الكريم التي وردت في شأن كتابة أعمال العبد وإحصائها نجد أنها جاءت في أساليب متعددة.
فتارة يسند ـ الرب تبارك وتعالى ـ الكتابة إلى نفسه مع العلم بأن الذي يقوم بكتابة الأعمال هم الملائكة ولكنه ـ تبارك وتعالى ـ أسندها إلى نفسه للإهتمام البالغ بذلك.
قال تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} 2.
وفي هذه الآية من التهديد والوعيد ما لا يقادر قدره.
ومعنى قوله ـ تعالى ـ في الآية {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} أي: "سنكتبه في صحف الملائكة، أو سنحفظه، والمراد الوعيد لهم وأن ذلك لا يفوت على الله بل هو معد لهم ليوم الجزاء"3.
وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} 4.
1- سورة الإسراء آية: 14.
2- سورة آل عمران آية: 181.
3- فتح القدير للشوكاني 1/406.
4- سورة يس آية: 12.