علقة، ثم مضغة، ثم ينفخ فيه الروح، وتلك النطفة من مني الرجل والمرأة وهو يغذيه بدم الطمث الذي يربي الله به الجنين في ظلمات ثلاث: ظلمة المشيمة، وظلمة الرحم، وظلمة البطن، والنشأة الثانية: لا يكونون في بطن امرأة ولا يغذون بدم ولا يكون أحدهم نطفة رجل وامرأة، ثم يصيرون علقة، بل ينشئون نشأة أخرى وتكون المادة من التراب"1.
والذي نخلص إليه مما تقدم أن صفة الإعادة هي كما قررها السلف من أن الأجساد تتقلب من حال إلى حال، فتستحيل تراباً، ثم يعيدها الله مما استحالت إليه، فينشئ لحمها وعظامها ويبعث فيها الحياة مرة ثانية، بحيث يكون المعاد هو الجسد الأول بعينه بعد رجوع روحه إليه وذلك أمر ممكن عقلاً وواقع شرعاً إذ هو الذي نشاهده في خلق الله تعالى، فإنه ـ سبحانه ـ يخلق الجسم من الجسم، كما يخلق الإنسان من الماء المهين ويخلق من الماء المهين علقة، ثم يخلق من العلقة مضغة، ثم يخلق من المضغة عظاماً، ثم يكسو العظام لحماً، ثم يسويه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، وكذلك خلق الثمر فإنه ـ سبحانه ـ يقلب المادة التي يخرجها من الشجرة من الرطوبة، والهواء، والماء الذي ينزل عليها وكذلك الحب يفلقه، ويقلب المواد التي يخلقها منه إلى سنبلة، ثم إلى ثمرة جديدة، وكذلك الإعادة، فالأجساد تبلى، وتستحيل إلى التراب والله يعيدها مما استحالت إليه كما قال تعالى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} 2 قال القرطبي مبيناً مذهب أهل السنة في صفة الإعادة: "ومذهب أهل السنة والجماعة أن أجساد بني آدم الدنيوية تعاد بأعيانها وأعراضها بلا خلاف بينهم حتى أن بعضهم قال: "بأوصافها فيعاد الوصف أيضاً: كما يعاد الجسم واللون" اهـ3.
1- مجموع الفتاوى 17/252 ـ 253.
2- سورة طه آية: 55.
3- التذكرة ص182.