أنفسهم لأنهم كانوا يدركون عدم جدواها ونفعها. وقد ذكر ابن كثير في كتابه "البداية" أن صنماً يقال له سعد، وكان صخرة طويلة فأقبل عليه رجل من كنانه بإبل له لقصد التبرك به فلما أدناها منه نفرت وكان يهراق عليه الدماء فذهبت في كل وجه وتفرقت عليه، فأسف عليها فأخذ حجراً ورماه به وقال: لا بارك الله فيك إلهاً أنفرت علي إبلي، ثم سار في طلبها فجمعها وانصرف عنه وهو يقول:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ... فشتتنا سعد فلا نحن من سعد
وهل سعد إلا صخرة بتنوفه ... من الأرض لا يدعي لغيٍ ولا رشد 1
وقال بعض المشركين حين وجد الثعلبان يبول على رأس صنمه:
أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذل من بالت عليه الثعالب2
وكذلك قصة عمرو بن الجموح فقد كان له صنم وكان بعض الفتيان ممن أسلم وشهد العقبة كانوا يأتونه ليلاً فيلقونه في حفر بني سلمة وفيها عذرة الناس منكساً على رأسه فيطلبه فيغسله ويطيبه ثم يقول له: أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأخزينه فإذا نام وأمسى عمرو عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى. فلما أكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه فغسله وطهره وطيبه ثم جاء بسيفه فعلقه عليه، ثم قال: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى؟ فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك، فلما أمسى ونام عمرو عدوا عليه، فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلباً ميتاً فقرنوه به بحبل، ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر من عذر الناس، ثم غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به، فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكساً مقروناً بكلب ميت، فلما رآه وأبصر شأنه، وكلمه من أسلم من رجال قومه، فأسلم وحسن إسلامه. فقال بعد إسلامه ومعرفته لله متذكراً صنمه شاكراً لله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة:
والله لو كنت إلهاً لم تكن
أنت وكلب وسط بئر في قرن
أنّى لملقاك إلهاً مستدن
الآن فتشناك عن سوء الغبن
1- البداية والنهاية 2/209.
2- انظر القاموس 1/42، لسان العرب 1/337، الأصنام لابن الكلبي ص47.