وتحقيق العبودية هو الكمال ولقد كان للأنبياء عليهم الصلاة والسلام النصيب الأوفر من ذلك وكلما كان الإنسان أكثر تحقيقاً للعبودية لله تعالى كلما كان أكثر رقياً في سلم الكمال الإنساني، وكلما ابتعد عن تحقيق العبودية كلما هبط وانحدر. والرسل حازوا قصب السبق في هذا الميدان فقد كانت حياتهم انطلاقة جادة في تحقيق هذه العبودية. وهذا خاتم الرسل وسيد الأولين والآخرين يثني عليه ربه في أشرف المقامات بالعبودية فيصفه بها في مقام الوحي.
قال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} 1 وأثنى عليه بها في مقام إنزال الكتاب {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} 2.
وأثنى عليه بها في مقام الإسراء قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} 3.
وبهذه العبودية التامة استحق عليه الصلاة والسلام التقديم على الناس في الدنيا والآخرة ولذلك يقول عيسى عليه السلام للناس إذا طلبوا منه الشفاعة بعد طلبها من الرسل من قبله يقول: "ائتوا محمداً عبداً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" 4 فالسعادة كل السعادة في أن يتحلى الإنسان بتحقيق العبودية الخاصة فيدين لله بالطاعة، والمحبة وامتثال الأوامر والاجتناب عن النواهي.
1- سورة النجم آية: 10.
2- سورة الفرقان آية: 1.
3- سورة الإسراء آية: 1.
4- رواه البخاري في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه 4/279.