السلام بذبح ولده مع أنه ـ تعالى ـ لم يرد وقوع ذبحه كوناً وقدراً، وقد أبان الله ـ تعالى ـ أن الحكمة في ذلك ابتلاء إبراهيم عليه السلام حيث قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} 1. وبهذا يبطل قول القدرية المعتزلة أنه لا يكون أمراً إلا بإرادة وقوعه، وقولهم هذا الفاسد هو الذي جرهم إلى القول بأن معصية العاصي ليست بمشيئة الله ـ تعالى ـ لأنه أمر بتركها ولم يرد إلا التزام الذي أمر به لأن الأمر لا يكون أمراً إلا بالإرادة فيترتب على قولهم نسبة العجز إلى الله واستقلال العبد بالفعل دون الله ـ تعالى ـ والله منزه عن قولهم تنزيهاً يليق بجلاله2.
قال الطحاوي رحمه الله تعالى: "ولا يفعل إلا ما يريد".
قال الشارح حول هذه العبارة: "هذا رد لقول القدرية المعتزلة فإنهم زعموا أن الله أراد الإيمان من الناس كلهم والكافر أراد الكفر وقولهم فاسد مردود لمخالفته الكتاب والسنة والمعقول الصحيح.... إلى أن قال: وأما أهل السنة فيقولون: إن الله وإن كان يريد المعاصي قدراً فهو لا يحبها ولا يرضاها ولا يأمر بها بل يبغضها ويسخطها ويكرهها وينهى عنها وهذا قول السلف قاطبة فيقولون ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن" أ. هـ3.
والحاصل مما تقدم في هذا المبحث أن صفة الرضا من الصفات التي أثبتها الله لنفسه في محكم كتابه، وأثبتها له رسوله (في سنته المطهرة، وأثبتها له سلف هذه الأمة حيث آمنوا بما جاء به الكتاب والسنة، ولم يتجاوزوهما إلى غيرهما إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل، أما الذين يفرقون بين صفات الله ويؤولون صفة الرضا، والمحبة، والغضب، والكراهة بالإرادة فهذا من تصرفات البشر الخاطئة التي مضمونها التفريق بين ما ورد به السمع. ولو قيل لهم: لم نفيتم صفة الرضا والمحبة والغضب وأثبتم الإرادة؟ لقالوا: إن إثباتها فيه تشبيه للخالق بالمخلوق لأن الغضب غليان دم القلب لقصد الإنتقام، والرحمة رقة تلحق المخلوق والرب منزه عن ذلك.
1- سورة الصافات آية: 106.
2- انظر مذكرة أصول الفقه للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ص190 ـ 191.
3- شرح الطحاوية ص116.